الأربعاء 2022/10/26

آخر تحديث: 07:55 (بيروت)

شيرين ليست عمرو دياب

الأربعاء 2022/10/26
شيرين ليست عمرو دياب
increase حجم الخط decrease

لم تفترس السوشال ميديا العربية شيرين عبد الوهاب هذه المرة. ذابت النعوت المسيئة بحق النجمة المصرية، مدمنة وسكّيرة والى جهنم وبئس المصير، في محيط من التعاطف والتضامن الصادقين.

اقتنع العرب أخيراً، أن شيرين، بعكس النجوم الآخرين، عادية وحيّةً مثلهم. بشريّة وليست صناعة شاشة. أن شيرين، في العلن على الأقل، تحب وتكره وتُحبط وتحزن وتبكي وتنحف وتسمن، لأسبابها، وتحلق كل شعرها انتقاماً، أو محواً لذكرى سيئة، وتحكي كثيراً فتخطئ وتصيب، لكنها تعبر بصدق عما يعتريها من خوف. صدقوا أنها، برغم نجوميتها، امرأة أخرى قلقة. ترتفع وتهبط وتضعف وتصير ضحية إدمان كما هم قد يكونون ضحية إدمانهم وتحدياتهم النفسية. وتحاط، فوق ذلك، كأي "شرقية"، بذكور تهتز أعراف ديكة حمراء فوق جباههم في المواقف الصعبة والسهلة معاً. اكتشفوا فجأة أن النجوم، كما البشر، تقع وتحاول من جديد.

قد تكون الكارما. شيرين نثرت لطفاً وابتسامات واسعة كثيرة على الأرجح حتى يتضامن معها بكل هذا الحب أبناء وبنات كارها، هؤلاء الذين في العادة لا يوصفون بحب يتخطى صورهم في مراياهم، ومن بعدهم الجماهير العربية. وقد تكون إشاراتها المتكررة بأنها في مأزق عميق، إن في أغانيها أو في ما تقرره من شكلها أو ما تقوله وتغرده. في مأزق إنساني عادي، لكنه يصيب نجمة شعبية محبوبة بشدة، يضيع الخيط الرقيق الفاصل فيها بين حياتها الشخصية وبين نجوميتها. شيرين التي لا تشبه نجوم العصر الحالي. ليست موضبة. ليست ماركة مسجلة، حيث كل كلمة مدروسة وكل صورة خاضعة لجلسات فوتوشوب وكل إطلالة كاملة مكتملة. حيث ليس كل ابتسامة عريضة تعني غبطة وسعادة لانهائيتين.

شيرين عبد الوهاب ليست عمرو دياب، بما أنه النموذج والمثال. المقارنة بينهما لا تسيء لعمرو دياب بالضرورة لكنها توضح الفكرة. عمرو دياب، بلا أدنى منافسة، هو المثل الأعلى لما يجب أن يكون عليه الفنان الاستعراضي الحديث، الحالي، المتفوق، الكامل المتكامل. مدمن العمل. إذا كان لا يحيي حفلات خرافية النجاح، فهو يشتغل على إعلانات تدر أموالاً لا تحصى، وأغانٍ جديدة عصرية، آنية الجمهور. يشتغل على صورة برّاقة لا يكبر فيها ولا يشيخ، ولا يجعد له خدٌ، يعمل عليها فريق ما، شديد الاحتراف، يعرف كيف يقدم نجمه كما تقدم أبل منتجاتها (مقاربة مكررة لكن في محلها). عمرو دياب الذي تجاوز الستين ومن المعيب حتى اتهامه بالتصابي حتى لو صبغ شعره باللون الأشقر لأنه ما زال يليق بما يفعل، ويفعل ما يليق به.
وهو، في المقابل، خارج ماركته المسجلة، ليس موجوداً. لا نعرف إلا صوراً وأخباراً نادرة عن حياته الشخصية لا تسمن ولا تغني من جوع نميمة. بالكاد نسمعه وهو يحكي. لا يحكي أصلاً. آخر مقابلة جدية له كانت مع مفيد فوزي في القرن الماضي، في تسعينياته، وهو يرتدي بنطالاً يرتفع حتى خصره ويضع التي شيرت تحته، ويقول ما خلاصته أن العصر الذهبي لرومانسية الخالد عبد الحليم حافظ قد انتهى، وقد بدأ، الآن، عصر من "كم سنة وانا ميال ميال". وقد صدقت نبوءته. وما زال مذّاك الحين نجماً لا يستطيع عرشه أحد. لا نراه إلا وهو يقفز على المسرح بكامل حداثته وعضلاته وصراخ المعجبين والمعجبات من المراهقين الذين يتراوحون من مراهقي أواخر الثمانينيات إلى مراهقي ما بعد بعد 11 أيلول 2001، بما أن هذا التاريخ آخر تاريخ مفصلي في حركة دوران كوكب الأرض. نجم بلا منازع. سوبرمان النجوم.

شيرين، في المقابل، ليست عمرو دياب. إنها أكثر رقة وضعفاً. هو من كوكب كريبتون وهي من كوكبنا ذي الشمس الصفراء. آخر مرة مزحت عنه، بحس النكتة المصرية العالي، فُهمت خطأً وقامت القيامة عليها ولم تقعد. كانت تمزح حينها، ولم يفهم المصريون للمفارقة أنها شأنها شأنهم تحديداً، تمزح كثيراً، وأن لا سقف مصرياً للنكتة الذكية. عاقبوها بشراسة لأنها كانت تمرح. الآن، في محنتها، ومن دون مرح، في سريرها المبهم الذي دفعها إليه شقيقها بالقوة كما يشاع، وزوجها الذي يفتقر إلى أي موهبة، وثقافة لا عمر لها من الذكورية الفظة، أدركوا، ومن وراءهم العرب، أنها، مثلهم، تمرح وتمزح وتضحك وتبكي وتتعرض لعنف فظ ومؤذٍ. أنها مثلهم تُكسر ومثلهم تحلم بأن تقوم من انكسارها، فوقفوا معها أو كادوا، تسبقهم النساء طبعاً إلى التضامن الحقيقي.

شيرين، في سيرة حياتها الشفافة هذه، ليست ابنة عصرها الحالي. لا تجيد لعبة السوشال ميديا، ولا تعرف كيف تقف بمنأى عن البذاءة بحقها حين تظن أنها تصيبها. تؤثر بها عميقاً إذ تظنها إساءة لشخصها وليس لها كنجمة شهيرة، شركة، يظن المتنمرون أنها جدارٌ صمٌ لا يتأثر. تقرر، مثلاً، الاحتجاب عن وسائل التواصل بعد سخرية عارمة إثر موقفها الحائر من كيفية التعامل مع الحرائق التي تصيب لبنان في العام 2019. في حينها، كانت صادقة في حبها لهذا البلد وفي تعبيرها عن عجزها عما يمكن أن تفعله لكنها كانت تريد أن تقول أقل الإيمان، أن تعرب عن حبها. هاجت حملة تنمر دفعتها إلى اعتزال لن يستمر طويلاً بالطبع. فهي، كالشحرورة الخالدة صباح، لا تجيد العيش إلا تحت الضوء، بفنها وحياتها معاً، لا خط فاصلاً بين الإثنين.

وشيرين، في الأصل، إنسانة طيبة. في هذا التوصيف كثيرٌ من اللطف الخطر، لكن ما بدا منها، حتى الآن، يبدو كذلك. هي امرأة طيبة وحقيقية وصادقة. شأنها شأن مارلين مونرو وداليدا وسعاد حسني والليدي ديانا. الثلاثة الأُول قاتلن عالماً غريباً وقاسياً ووقعن ضحاياه. الثلاثة انتهين منتحرات، والرابعة اغتالتها، حرفياً، شهرة حياتها الشخصية التي لم تكن تملك غيرها. ليس أن شيرين ستنتحر أو أن نهايتها ستكون مأساوية. عمرها أمامها، وما زالت في مطلع الأربعين. والهزيمة، على ما يشاع، ليست قدراً. ستختار قدرها كما تريد، كما يحق لها، ومن دون قدرة للديَكة في التدخل بحكايتها. ففي آخر النهار، أعراف الديَكة مهما ارتفعت لا يمكنها أن تنطح سقف السماء. الديَكة لا تنتصر دوماً والزمن غير الزمن. شيرين ستختار قدرها بنفسها، هي التي اختارت أصلاً ألا تكون نجمة أخرى في الصف الرمادي الطويل للنجوم، بوجه مُعالج وجسد مُعالج وشَعر مُعالج وسوشال ميديا معالجة كي لا تحيد عن القاعدة، ولغة لا تحيد حرفاً عن درس زَ رَ عَ المحفوظ. هي في أزمة كبيرة، هذا صحيح. لكنها مختلفة تماماً عن صنم النجم السائد. هذا يدعو إلى التفاؤل، وإلى التضامن، وإلى كثير من الحب، لمن ترقد في سريرها، تقاوم كي تكون أحسن، وأفضل، وأقرب إلى نفسها.
وبالشفاء والقوة للمرأة الطيّبة. بالشفاء والقوة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها