الأحد 2022/01/09

آخر تحديث: 07:47 (بيروت)

محافظو ايران..من المعارضة الى المصادرة

الأحد 2022/01/09
محافظو ايران..من المعارضة الى المصادرة
© Getty
increase حجم الخط decrease

الاشارات الايجابية التي تصدر عن اجتماعات فيينا بشقيها المتفائل ايرانيا والمتريث اوروبيا وامريكيا، اعادت فتح الجدل الداخلي والصراع بين القوى السياسية حول طبيعة ما يجري التفاهم حوله بين الفريق الايراني المفاوض ومجموعة 5+1، وقدرة هذا المفاوض على فرض "نص" جديد على طاولة التفاوض بديلا عن الاتفاق القديم (2015)، ام ان الامور محصورة في اعادة احياء هذا الاتفاق واستئناف العمل به. 

هذا الانقسام الذي يكاد يكون عموديا، بين القوى التي وقفت الى جانب حكومة الرئيس السابق حسن روحاني من اصلاحيين ومعتدلين وبعض الوسطيين من الجناح التقليدي المحافظ،، وبين تلك التي ترى في ما تقوم به الحكومة الحالية برئاسة إبراهيم رئيسي وفريقه المفاوض انقلابا كاملا على ارث روحاني ومحمد جواد ظريف. 

التيار المحافظ المتشدد الذي يعبر عن سياسة حكومة رئيسي وقوى السلطة المسيطرة، يؤكد ان المفاوضات تسير نحو الامام وان هناك بوادر ومؤشرات على اقتراب موعد التوصل الى تفاهم يتم بموجبه رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي لا تتوافق مع اتفاق 2015 بما فيها العقوبات التي فرضت او اضيفت ما بعد عام 2018 في عهدي الرئيسين السابق دونالد ترمب والحالي جو بايدن.

وانطلاقا من هذه الفرضية، يتوقع تيار السلطة ارتفاع اصوات المعارضين "المدافعين" عن الاتفاق السابق، انطلاقا من فرضية ان ما يجري التفاهم حوله في فيينا ليس سوى الاتفاق القديم، وان كل ما تقوم به السلطة لا يخرج عن محاولة تغيير الاسم لا غير، بحيث يسمح لها بادعاء تحقيق انجاز سياسي او انتصار دبلوماسي بحجم الازمة التي تعاني منها ايران داخليا على المستوى الاقتصادي ويبعد عنها كأس التنازلات المؤلمة في ما يتعلق بالدور الاقليمي او النفوذ الخارجي. 

تيار السلطة الذي لم يترك وسيلة او فرصة لاتهام فريق روحاني المفاوض بالتنازل والقبول باتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية على حساب المصالح الوطنية والقومية للنظام، بدأ البحث جديا عن مخارج لمواقفه السلبية تلك من اجل تسويغ الالتفاف الذي سيكون مجبرا عليه، خاصة في ما يتعلق بفتح قنوات الحوار مع الولايات المتحدة الامريكية. 

فاذا ما كانت الحكومة السابقة قد قامت باستكمال المسار الحواري "السري" مع واشنطن الذي سبق ان بدأه النظام بين عامي 2011 و2012 في سلطنة عمان وانتهى عام 2013 الى حوار مباشر بقيادة وزير الخارجية السابق ظريف، فان الحكومة الجديدة التي جاءت على انقاض حكومة روحاني وبشعار "تصحيح وتصليح المسار الانحرافي"، لجأت لاعتماد سياسة مواربة، ابتعدت فيها عن الكلفة السياسية والايديولوجية للحوار المباشر، من خلال سياسة الرسائل المكتوبة التي تم تبادلها بين كبير المفاوضين علي باقري كني مع الفريق الامريكي بقيادة مسؤول الملف الايراني روبرت مالي. وسعت الخارجية الايرانية الى تسويغها بالتأكيد بانها لا تعني حواراً مباشراً، بل بهدف تسهيل العملية التفاوضية والوصول الى النتائج المطلوبة وانهاء العقوبات تمهيدا لاعادة احياء الاتفاق. وهي خطوة تزامنت مع تغيير واضح  في مواقف شخصيات مؤثرة في المؤسسة الدينية من اتفاق عام 2015، التي باتت اكثر ايجابية ومرحبة بالعودة الى هذا الاتفاق، بعد ان كانت رأس الحربة في معركة اسقاطه وتفريغه من نتائجه وعرقلة مساعي روحاني في توظيف مفاعيله لاخراج الوضع الداخلي من النفق الذي دخلته ايران اقتصاديا واجتماعيا.

المتحول الحاصل في الموقف الايراني من التواصل مع الجانب الامريكي، وعلى الرغم من ممانعته حتى الان لعودته الى طاولة التفاوض المباشر، او القبول بالجلوس معه مباشرة، يكشف جليا بان النظام الايراني يدرك تماما بان مفاوضات فيينا قد تكون الفرصة النهائية والاخيرة امامه لتطبيع علاقاته الاقتصادية وحتى السياسية مع المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الامريكية، وان سياسة الرسائل المكتوبة، قد تشكل المدخل الى تمهيد الطريق امام الخطوة المفصلية التي تنقله الى التفاوض المباشر، فضلا عن انها تخفف من الاستغلال الروسي لهذه العقدة ومحاولته محاصرة الطرف الايراني والتفاوض بديلا عنه، وتوظيف هذا الدور في تمرير رسائله الخاصة المرتبطة بملفاته المتوترة مع واشنطن من اوكرانيا مرورا بسوريا وصولا الى كازاخستان. 

وفي الوقت الذي تعتقد السلطة الايرانية والتيار المسيطر على قرارها ومفاصلها، ان المرحلة مؤاتية لتمارس ايران سياسة الابتزاز لادارة الرئيس بايدن باعتبار حاجتها لاعادة احياء الاتفاق كخطوة على طريق تطبيق استراتيجيتها الجديدة في الشرق الاوسط وغرب آسيا من اجل التفرغ لمواجهة الصعود الصيني، فان هذه القيادة تدرك ايضا بانه لن يكون امامها متسع من الوقت للانتهاء من الازمة النووية والخروج من دائرة العقوبات الاقتصادية، خاصة وان الرئيس الامريكي قد يواجه وسيواجه صعوبة في تمرير اتفاق جديد مع طهران او حتى تمرير الاتفاق القديم نتيجة الشروط الامريكية الداخلية، ما يقلب المشهد ويحوله الى ورقة ضغط عليها، لان اي تطور لصالح الجناح المعارض للاتفاق والجمهوريين على حساب الديمقراطيين في المعادلة الامريكية قد يعيد الامور الى دائرة الصفر ويهدم كل ما تحقق من تقدم قائم على تدوير زوايا الخلافات. 

من هنا، فان النظام والسلطة في ايران محكومان بالعودة الى طاولة التفاوض المباشر والحوار الثنائي مع واشنطن، خاصة وان الجولات الثماني التي استضافتها فيينا للمفاوضات غير المباشرة انتهت الى هذه الخلاصة التي عبرت عنها الرسائل المكتوبة المتبادلة. وهذه الحتمية في التغيير من السلبية والرفض للتفاوض المباشر الى البحث عن مسوغات شرعية وايديولوجية تحت سقف الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية والاستراتيجية، قد تجعل من التيار المحافظ اشد المدافعين عن اتفاق 2015 بعد ان كان من اشد المعادين له، وقد يصل الامر به الى مصادرة هذا الانجاز والغاء دور الرئيس السابق وفريقه باعتبار ما يتحدث عنه من ادخال تعديلات على بعض النصوص القديمة، تدفع لتسويق اي اتفاق كنصر استطاع تحقيقه على طريق استعادة حقوق الشعب الايراني وانهاء ازماته الاقتصادية. 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها