الخميس 2022/01/06

آخر تحديث: 06:34 (بيروت)

الليرة السورية والليرتان اللبنانية والتركية:تراجعات مشتركة

الخميس 2022/01/06
الليرة السورية والليرتان اللبنانية والتركية:تراجعات مشتركة
increase حجم الخط decrease

قد يكون من المغري إجراء مقارنة بين خسائر الليرات الثلاث، السورية واللبنانية والتركية، خلال العام 2021، وأثر ذلك على مستوى معيشة الشعوب الثلاثة، باستخدام معيار التضخم، أو ارتفاع تكلفة المعيشة. ويأتي مصدر هذا الإغراء في توضيح مدى الأثر الذي يتركه انخفاض سعر صرف عملة ما على معيشة شعبها، حقاً. بعيداً عن ضجيج الإعلام الذي يعشق عناوين من قبيل "انهيار الليرة بنسبة كذا بالمئة". 

فنظرياً، يتيح سعر الصرف المستقر التحكم في التضخم والمستوى العام للأسعار. كما ويؤدي انخفاض قيمة العملة إلى ارتفاع معدلات التضخم. لكن مقارنة تجارب الشعوب الثلاثة، السورية واللبنانية والتركية، مع أسعار صرف عملاتهم، وارتفاع المستويات العامة للأسعار لديهم، خلال العام المنصرم، توضح محدودية أثر سعر الصرف، مقارنة بالسياسة الاقتصادية العامة التي تعتمدها حكومة كل بلد.

ففي سوريا، استقر سعر الصرف نسبياً، منذ نهاية نيسان/أبريل الماضي. ولم يتعرض لتذبذب بهوامش كبيرة، منذ ذلك التاريخ. لكن المستويات العامة للأسعار قفزت بصورة هائلة خلال الفترة نفسها.

وبالأرقام، وفي حصيلة العام 2021، خسرت الليرة السورية حوالي 25% من قيمتها. بينما زاد متوسط تكلفة المعيشة بنسبٍ تتراوح بين أكثر التقديرات تفاؤلاً، عند 40%، وبين أكثرها تشاؤماً، عند 70%. فإذا اعتمدنا التقديرات المتفائلة، نجد أن ارتفاع المستوى العام للأسعار في سوريا، خلال عام 2021، تجاوز نظيره في تركيا، الذي أنهى 2021 عند معدل 36%. وذلك رغم أن الليرة التركية خسرت 44% من قيمتها خلال العام المنصرم. 

أما في لبنان، فأغلقت الليرة عام 2021، عند 27 ألف للدولار الواحد، بينما كانت في نهاية 2020 عند 8400 للدولار الواحد. أي أنها خسرت حوالي 31% من قيمتها خلال العام 2021. لكن التضخم في لبنان قفز في أكثر التقديرات تفاؤلاً إلى ما لا يقل عن 130%.

وهكذا كانت الليرة التركية الأسوأ مقارنة مع نظيرتيها في لبنان وسوريا. فيما كانت الليرة السورية هي الأفضل. لكن، على صعيد المستوى العام للأسعار، كان ارتفاعه الأعلى في لبنان، ومن ثم في سوريا. وكانت نسبة الارتفاع هي الأدنى، في تركيا. فما هو تفسير ذلك؟

تبدو كلمة السرّ في قاسمٍ مشترك جمع السوريين واللبنانيين خلال العام 2021، وهو رفع الدعم. ففي لبنان، رُفع الدعم كلياً عن المحروقات، وجزئياً عن الأدوية. كما تم رفع سعر الخبز 6 مرات. 

وفي سوريا، تم رفع الأسعار المدعومة للغاز المنزلي بنسبة 130%، وللغاز الصناعي بنسبة 300%، وللكهرباء بنسب تتراوح ما بين 100 و800%، وللسكر بنسبة 25%، وللخبز بنسبة 100%، وللمازوت بنسبة 170%.

كلمة سرّ أخرى، تتعلق بطباعة المزيد من العملة لتمويل العجز. وهو ما يقرّ به مصرف لبنان المركزي، الذي تحدث عن تضاعف كمية النقد المتداول بين عامي 2019 و2021، 6 مرات. ذلك قبل أن يفرض المركزي مؤخراً بعض القيود على السحوبات بالليرة اللبنانية.

وفي الحالة السورية، اتضح أثر طباعة العملة، حينما طُرحت ورقة الـ 5000، مطلع العام الفائت. حينها، فقدت الليرة السورية حوالي 18% من قيمتها، من دون أن تستعيدها لاحقاً.

وبخلاف الحالة في لبنان وتركيا، اعتمد المركزي السوري على سياسة تقييد قاسية للمعروض من الليرة السورية بدءاً من ربيع العام المنصرم. ورغم أن ذلك أدى إلى الحد من هوامش تذبذب سعر الصرف بشكل واضح، إلا أنه أدى في الوقت نفسه، إلى ركود في الحركة التجارية والاقتصادية، ارتفعت أصوات "الأنين" منه من جانب مختلف الفعاليات الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام. ولم تفلح سياسة تقييد المعروض من الليرة السورية، في لجم التضخم، الذي قفز -كما سبق وأشرنا- بصورة كبيرة، جراء سياسات رفع الدعم، والتي ألهبت المستوى العام للأسعار.

وفيما تراهن الحكومة التركية على نتائج قريبة لسياسة خفض أسعار الفائدة، وبالتالي زيادة المعروض من الليرة التركية في الأسواق، باتجاه تنشيط الاقتصاد، بعد أن نجحت نسبياً في الحد من تذبذب سعر الصرف، تبدو السوق السورية أمام مرحلة مرتقبة من التذبذب في سعر صرف عملتها، بعد أن أشار المركزي السوري إلى نيته زيادة الحد الأعلى للسحوبات النقدية من المصارف، للأفراد، وليس فقط للفعاليات الاقتصادية.

فإن كان رفع الدعم، في الحالة السورية، تحديداً، خلال النصف الثاني من العام المنصرم، قد ألهب المستوى العام للأسعار بنسبة لا تقل عن 40%، في الوقت الذي كانت فيه الليرة مستقرة نسبياً.. فإلى أين ستتجه تكاليف المعيشة بسوريا، إن تزامن رفع الدعم المستمر، مع تدهور جديد في سعر الصرف؟!

فحكومة النظام لا تخفي نيتها الاستمرار في سياسة الحد من دعم السلع المختلفة، خاصة حوامل الطاقة. وقد بدأت العام الجديد بإزالة 333 ألف مستفيد من ذلك الدعم. ومن المعلوم، أن ضخ معروض نقدي أكبر، يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، في معظم الحالات. مما سيجعل ارتفاع المستوى العام للأسعار في سوريا، في الأيام المقبلة، مدفوعاً بشكل مزدوج، من استمرار سياسة رفع الدعم من جهة، وتدهور سعر الصرف، من جهة ثانية. والاستثناء لتلك الحالة المرتقبة، هو أن تكافئ زيادة المعروض، زيادة موازية في إنتاج السلع والخدمات. ولا توجد حتى الآن، أية مؤشرات على نشاط مستجد في الحركة التجارية والإنتاجية في البلاد. الأمر الذي يفسّر زيادة المعروض المرتقبة، بأنها ضخ لأوراق ليرة سورية جديدة، بهدف تمويل العجز بالموازنة، بصورة تتفق مع توقعات معظم المحللين الذين علقوا على أرقام الموازنة المعلنة لسوريا في العام 2022.

باختصار، وفي الوقت الذي كان فيه أداء الليرة التركية أسوأ من نظيرتيها في لبنان وسوريا، كان تدهور معيشة الأتراك أقل من نسب التدهور في معيشة اللبنانيين والسوريين. وفي الحالة السورية، قد نكون أمام قفزة نوعية جديدة في المستوى العام للأسعار، على وقع تراجع مرتقب لليرة السورية، خلال الثلث الأول من العام الجديد.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها