الأربعاء 2022/01/12

آخر تحديث: 06:21 (بيروت)

منتدى الشباب: توليفة خواء تلفزيوني

الأربعاء 2022/01/12
منتدى الشباب: توليفة خواء تلفزيوني
الممثلة الإسبانية إيتزيار إيتونيو (حبيبة "البروفيسور") ستلقي كلمة أمام السيسي
increase حجم الخط decrease
الروزنامة الرسمية في مصر متخمة بالفعاليات الاستعراضية. فبعدما غدت المواكب الفرعونية طقساً شبه سنوي، يعود هذا العام "منتدي شباب العالم"، الذي تعطل العام الماضي بسبب الكورونا، وكالعادة الرئيس السيسي في صدارة برنامجه. في نسخته الرابعة، تبدو الحفلة الافتتاحية للمنتدي كبرنامج تلفزيوني للمنوعات، جمهوره من المراهقين أكثر منه موجهاً لفئة الشباب. تقديم أغنية "بيلا تشاو" على المسرح أمام الرئيس، أكثر ما أثار السخرية. فالأغنية الإيطالية المرتبطة بالمقاومة اليسارية ضد الفاشية أثناء الحرب العالمية الثانية، بدت للكثيرين في غير مكانها. أو لعلها على العكس، كانت في موضعها تماماً.

فرقة "نودلوفو" التي قامت بأداء الأغنية في افتتاحية المنتدى، تأسست في العام 2009 كجزء من أنشطة جمعية للتنمية المجتمعية بالاسم نفسه في جنوب أفريقيا. تغلُّب أعضاء الفرقة على تحديات ظروفهم الصعبة، الفقر واليتم والعنف، تم توظيفه تلفزيونياً لتحقيق الشهرة على مستوى عالمي لاحقاً. فبعد عشرة أعوام من تأسيسها، وفي العام 2019، وصلت الفرقة إلى نهائي برنامج المواهب التلفزيوني "أميركا غوت تالنت"، بأغنية "الحلم الأفريقي".  في خضم صعود حركة "حياة السود مهمة" في الولايات المتحدة، كان ظهور فرقة "نودلوفو" مناسباً تماماً، ولطالما كانت الفرق الجنوب أفريقية، منتجاً سهل التعليب والتسويق في ساحة "موسيقى العالم"، بسبب الخلفيات التاريخية القريبة للابرتهايد والنضال ضده.


يشير الموقع الإلكتروني للفرقة إلى أن أعضاءها يغنون بإحدى عشرة لغة جنوب إفريقية، من بينها الإنكليزية، فما الذي يدفعهم إلى أداء أغنية باللغة الإيطالية؟ ولماذا لم تقدم الفرقة في مصر أغنيتها الشهيرة "الحلم الأفريقي" مثلاً؟

على الأغلب كان الدافع عملياً بحتاً، فـ"بيلا تشاو" أغنية لها وقع راقص، وبسبب هذا، وكذا بسبب أصولها التاريخية النضالية، أضحت واحدة من أشهر تسجيلات "موسيقى العالم". وعلى خلفية نجاحها الواسع، فإن الأغنية فقدت معظم ما يربطها بأصلها. فاليوم، ترتبط الأغنية بحفلات الموسيقى الراقصة البلقانية في النوادي الليلية، أكثر من أي شيء آخر. بهذه الطريقة، تبرز "بيلا تشاو" كخيار جيد، أغنية بهيجة وحيوية، ومناسبة لمحفل يضم شباباً من حول العالم ومن ثقافات مختلفة. ومع شهرة الأغنية وسهولة التعرف على لحنها، يمكن الجزم بأنها ستكون أيضاً بلا أي دلالة سياسية لمعظم المستمعين، أو بشكل أدق بلا أي معنى. الخليط المتنافر من أزياء الفرقة ذات الألوان الأفريقية، والغناء بالإيطالية، ونوعية الجمهور الرسمي الجالس بتحفظ في كراسي القاعة، كل هذا يبدو مناسباً تماماً لغرض المناسبة، عرض ملفق متخم بالعناصر، وهذه التخمة تحديداً هي ما تفقده أي دلالة.

لا تأتي فرقة "نودلوفو" وحدها من عالم برامج المواهب التلفزيوني. فبين فقرات الافتتاح، يشهد الرئيس السيسي عرضاً للساحر الفرنسي من أصل جزائري، مولا، وهو قد ظهر للمرة الأولى أمام جمهور عربي، في برنامج "آراب غوت تالنت" في العام 2014. يخلط مولا في فقرته، الخدع البصرية بالتكنولوجيا، ويقدم ما يظهر في البداية كلعبة تقليدية، حيث يقوم بإخفاء هاتف نقّال بعد تحطميه، ومن ثم يرجعه لصاحبته. لكن الأمر لا يتوقف هنا، فهو يقوم باختراق الهاتف أيضاً ويضع صورة التقطت أثناء العرض في ذاكرته. لأسباب غير مقصودة، تبدو عملية الاختراق الرقمي هذه هي الأقرب إلي روح الاحتفالية وسياقها.

ولمزيد من المفارقات، فإن الممثلة الإسبانية إيتزيار إيتونيو، بطلة مسلسل "كاسا ديل بابيل" (في دور المفتشة راكيل، حبيبة "البروفيسور"، والتي اتخذت في ما بعد لقب مدينة "ليسبون")، ستلقي كلمة أمام الرئيس في افتتاح المنتدى. ولعله من الواجب أن نشير إلى أن المسلسل المشهور عالمياً بتيمات التمرد على النظام الرأسمالي، ساهم في زيادة شعبية أغنية "بيلا تشاو" التي تتكرر في خلفية مشاهده.

تتجمع الخيوط في النهاية، أغنية نضالية يسارية بالإيطالية، مسلسل أوروبي بمسحة أناركية مناهضة للمنظومة القائمة، فرقة جنوب أفريقية للأيتام تغني للحلم الأفريقي في برامج مواهب أميركية... كل هذا أمام السيسي، وفي منتدى في شرم الشيخ، لا يَعرف أحد أهدافه أو غرضه. التوليفة المتنافرة تلك، لا تكشف فقط ركاكة الفعالية، بل أيضاً قابلية المنتجات الثقافية العالمية الرائجة للتفريغ من المعنى بيُسر، وتحويلها لعناصر في عرض تلفزيوني من أي نوع، وتوظيفها على العكس من كل ما تدعي قوله.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها