الإثنين 2022/01/10

آخر تحديث: 07:25 (بيروت)

العبث عنواناً للسياسة في العراق

الإثنين 2022/01/10
العبث عنواناً للسياسة في العراق
increase حجم الخط decrease

كان مشهد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي دالاً على العبث المُتحكم بمسار السياسة في بلد يتخبط بكم هائل من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. اتسمت الجلسة بجرعة عالية من الاستعراض، أكان من خلال استخدام نواب مستقلين التوك توك للمشاركة بالجلسة، أو عبر ارتداء الكتلة الصدرية الأكفان وترداد شعارات دينية وهتافات الولاء للزعيم والاعتداء على رئيس السن محمود المشهداني.

والاجتماع بهذا الشكل والطريقة، دليل على تفاهة السياسة وعدم توفيرها أو شمولها حلولاً للمشكلات الملحة في بلداننا، من الخدمات الأساسية والعجز المتواصل عن توفيرها بالحد الأدنى المقبول، وإلى تصميم اقتصاد تنافسي مستدام يُتيح فرصاً للسكان ويحول دون لجوئهم للتطرف ومهربي البشر. لا مانع من الاستعراض بالسياسة، لكن هذه الجرعة الفائضة منه توحي بعدم اكتراث حيال قضايا أساسية في البلاد. مثل هذا الواقع المزري والمستقبل غير المشرق، يفتحان باباً لنقاش حول الحلول المطلوبة والمقاربة المجدية، بدلاً من التركيز على التنافس الهوياتي كمحرك للسياسة. هذا غير مقبول في بلد غني بالنفط ويملك خامس أكبر احتياطي على مستوى العالم، لكن ربع سكانه يعيشون تحت خط الفقر، فيما يُعاني ملايين من بطالة تتضخم ولا تتضاءل. 

حتى أولئك العاملين، بينهم جزء كبير من موظفي الدولة (6.5 مليون لو احتسبنا المتقاعدين الذين يتقاضون رواتب). القطاع العام تضخم في العراق على مدى العقود الماضية، لأن الساسة رأوا في التوظيف الحكومي طريقاً أسهل لارضاء القاعدة الشعبية. وهذه سياسة غير مستدامة، إذ تُنفق الحكومة اليوم 45٪ من موازنتها، وهي أقرب للنصف، على تسديد هذه الرواتب. هذه السياسة، إضافة لكونها غير مستدامة، كسولة أيضاً، وتشي بعجز يتسم به غالباً أقطاب الأحزاب الدينية التي بنت عالماً كاملاً من الصراعات والسياسات والإصطفافات المنفصلة عن الواقع المعيشي ومتطلباته.

السمة الثانية للعبث، وهي الأكثر جدية، تتمثل بالسلاح. بيد أن "سرايا السلام"، الذراع العسكرية للتيار الصدري، نفذت انتشاراً مسلحاً في مدينة الصدر وأحياء بالعاصمة قبيل الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي يوم أمس. هذه الجلسة شهدت صراعاً بين الكتلة الصدرية (73 نائباً) و"الإطار التنسيقي" (88 نائباً) الذي يضمُّ عدداً من التكتّلات، أبرزها ائتلاف "دولة القانون" (نوري المالكي) وتحالف "الفتح" (الحشد الشعبي) وتحالف "العقد الوطني". الصراع هو حول تحديد من يُمثل الكتلة الأكبر في البرلمان. الأهم أن التيار الصدري رأى في استعراض القوة العسكرية، عملاً مكملاً للنشاط السياسي. اظهار السلاح بالشارع والقدرة أو الاستعداد لاستخدامه (ارتداء الأكفان في البرلمان) هما قوة تُضاف لعديد النواب في البرلمان والكتل فيه. لهذا بات بإمكاننا اليوم الحديث عن كتل مسلحة بالبرلمان، مقابل كتل مدنية لا أهمية لها. لهذا، فإن "الفتح"، ورغم خسارتها ثلثي مقاعدها في الانتخابات الأخيرة، وهذا بمثابة عقاب واضح عبر صناديق الاقتراع، تتجه اليوم ومن خلال الائتلاف مع المالكي الى المشاركة بشكل فاعل في تحديد اسم رئيس الوزراء المقبل. السلاح في السياسة يُلغي مفاعيل صناديق الاقتراع أو يحتويها.

والسلاح الذي يتخفى وراء شعارات المقاومة، هو الوجه الآخر لهذا العبث في السياسة، واختزالها بصراعات هوية لا أفق لها، ولوم الخارج ومؤامراته للتنصل من المسؤولية عن الفشل المستدام بالداخل. ومن الصعب تخيل الحياة السياسية العراقية خلال السنوات المقبلة من دون استخدام متزايد لهذا السلاح، ترهيباً وقنصاً واغتيالاً، بما يجعل الحياة السياسية أشبه بالفولكلور الخالي من المضمون والأثر. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها