الخميس 2021/09/30

آخر تحديث: 15:40 (بيروت)

حان الوقت لتحقيق دولي..وربما محكمة دولية

الخميس 2021/09/30
حان الوقت لتحقيق دولي..وربما محكمة دولية
© Getty
increase حجم الخط decrease

للتذكير فقط، والظرف مناسب للتوضيح مجدداً على أن تفجير مرفأ بيروت قبل عام ونيف، كان حدثاً عالمياً مدوياً ، وليس حادثاً محلياً يمكن أن ينسب الى صراعات لبنانية الاخوة الاعداء، أو يُحصر بها، ولا يجوز أن يعزى الى فساد الدولة ولا الى فراغها، الذي لا يمكن أن يتسبب بأضخم إنفجار غير نووي في التاريخ.

الكل يذكر، ولا يمكن لأحد أن ينسى، أنه في أعقاب ذلك التفجير الرهيب، أعلنت جميع دول العالم التي تملك موانىء بحرية، من دون إستثناء، حالة الطوارىء والاستنفار القصوى، وشرعت في مراجعة إجراءاتها الوقائية، الخاصة بنقل وتخزين المواد الكيميائية، وإتخذت على الفور تدابير عملية مشددة لفرض المزيد من الرقابة على أدق تفاصيل التجارة البحرية، لا سيما الخاصة بالمواد الخطرة.

والكل يعرف، أو بات يدرك، أن الدافع الاول لإتخاذ مثل هذه الاجراءات هو الإشتباه، أو حتى الاقتناع في بعض الحالات غير المثبتة حتى الآن، أن التفجير كان عبارة عن هجوم متعمد وعن سابق تصور وتصميم، على المرفأ اللبناني، نفذته إسرائيل، كجزء من الحرب البحرية التي تخوضها مع إيران، أو نفذه تنظيم إسلامي متطرف كان يستهدف لبنان..مع أن هذا الاحتمال كان مستبعداً، بالمقارنة مع فكرة الصدفة التي أشعلت الشرارة الاولى.

المهم أن تلك الاجراءات الطبيعية جدا، والمنطقية جدا، والتي شملت جميع القارات والدول المطلة على البحر، إستندت الى الاحساس بالمسؤولية طبعا، والخوف من حصول أمر مشابه في أحد المرافىء الكبرى في العالم..كما إعتمدت على الكلمات الرسمية الاولى التي صدرت من واشنطن، وتحديداً الرئيس السابق دونالد ترامب، ومن تل ابيب كذلك وتحديداً من وسائل الاعلام الاسرائيلية الكبرى، والتي سحبت على الفور مثلما سحب تصريح ترامب الشهير يومها.

والاهم من ذلك، أنه بينما كان لبنان ينهمك في رفع جثث ضحاياه وإسعاف جرحاه، وإيواء مشرديه، كانت مختلف دول العالم، بما فيها دول لا تخطر في البال، وتبعد آلاف الاميال عن لبنان، تدرك أن الكارثة أكبر من أن يحتملها ذاك البلد الصغير والضعيف، على صعيد الاغاثة أولا، ثم الاحاطة بحقيقة ما جرى بالفعل، وهو أمر ضروري لا لأنه يجيب على أسئلة لبنانية ملحة ومشروعة، لكنه أيضا يستجيب لطلب عالمي عام، بتكوين ملف دقيق ومحكم في كل دولة، يتضمن المعلومات المؤكدة ويتيح الفرصة لإتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة.

في تلك الأيام، كانت فكرة التحقيق الدولي، من قبل الامم المتحدة، هي أحد الخيارات المتداولة، لكن الامر كان يشترط او يستدعي أن تتقدم الحكومة اللبنانية بطلب رسمي الى الهيئة الدولية لتشكيل فريق محققين دوليين، يتوجه بسرعة الى موقع التفجير، ويعد تقريراً مبنياً على آراء خبراء وعلماء، يتضمن في نهايته التوصية بالانتقال من نتائج التحقيق ومعطياته الثابتة، الى مسار العدالة، سواء اللبنانية أو اللبنانية الدولية، أو الدولية فقط.

للاسباب المعروفة، المستمدة من تجربة جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، تقاعست الدولة اللبنانية عن الاقدام على مثل هذه الخطوة، مكتفية ببعثات  أميركية وأوروبية وغربية وعربية، أرسلت لجمع المعلومات الأولية المطلوبة من عواصمها، أكثر مما كانت معنية بالتوصل الى إستنتاجات علمية، تشكل إساساً للتحقيق، ثم للعدالة.. بل كان بعضها مهتماً بنفي فرضية الاعتداء الاسرائيلي الذي كان فتيل التفجير الهائل. ودخل التحقيق اللبناني ومعه المسار القضائي، في دوامة محلية ضيقة، عنوانها الفراغ والفساد والاهمال الوظيفي لكل من عمل في المرفأ، وهو ما يحتمل الاشتباه بالمئات من المسؤولين والموظفين، لكنه لم يتمكن حتى الآن سوى من نفي مزحة التلحيم التي شاعت لشهور، ومن الشك في ما قيل عن صدفة حريق ألعاب نارية، عسّ لنصف ساعة ثم تسبب بالكارثة الكبرى.

الخاتمة التي يطوى بها تحقيق القاضي طارق البيطار اليوم، لا يمكن إلا أن تدرج في سياق صراع الاخوة الاعداء، وتتعثر في بحث عقيم عن أكباش فداء، إنحصر في أقل من عشرة أسماء لا تقل مسؤوليتها أبداً عن عشرات آخرين من كبار المسؤولين والموظفين، ولا توجب سوى أحكام لا تزيد على ثلاث أو أربع سنوات، إذا ما أدينوا بتهم الإهمال الوظيفي أو التكسب من شحنة النيترات أو التورط في نقلها الى سوريا.

تلك الخاتمة المحزنة للتحقيق اللبناني، توجب الآن وأكثر من أي وقت مضى، العودة الى نقطة الإنطلاق: الى التسليم بأن تفجير المرفأ حدث عالمي، يمس ثلاث أو أربع دول بينها لبنان، لكنه يهم أكثر من 200 دولة، وهو يتطلب بلا جدال، تحقيقاً دولياً لا يحتمل المزيد من التأخير، ولا التسويف.. والطريق إليه ليس مقفلاً أبداً، وكذلك الطريق الى محكمة دولية، لا تنفك الوقائع اللبنانية تؤكد يوميا أنه لا بد منها.  

                 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها