الثلاثاء 2021/08/31

آخر تحديث: 06:57 (بيروت)

مؤتمر الكاظمي وأكاديمية عون

الثلاثاء 2021/08/31
increase حجم الخط decrease

حين دعا مصطفى الكاظمي إلى عقد لقاء في بغداد للدول الإقليمية، من أجل العمل على تحويل علاقات الصراع بين دول المنطقة إلى علاقات "تعاون وشراكة، تذكر كثيرون دعوة ميشال عون من منبر الأمم المتحدة العام 2019 إلى إنشاء "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار بلبنان". فكما بدت للبنانيين الدعوة للأكاديمية اشبه بالفكاهة السوداء التي تسخر مما هم به، بدت كذلك للعراقيين الدعوة  للمؤتمر، ورافقوا إنعقاده السبت المنصرم بسخرية لاذعة. وكما يتجلى "التلاقي والحوار" بين اللبنانيين اليوم على محطات الوقود في كافة المناطق، وينذر بالمزيد منه في الأيام القادمة، كذلك يتجلى "التعاون والشراكة" في العراق بإمساك الفصائل المسلحة برقاب العراقيين. ويتأكد العراقيون واللبنانيون مرة اخرى من إصرار حكامهم على محاولات تحويل إنشغالهم بمآسي حياتهم اليومية، وإشغالهم بمشاريع ومخططات "عظيمة" تتصدى لمهمة "التلاقي والحوار" و"التعاون والشراكة" ، كما تصدى مشروع "النهر العظيم" للراحل القذافي لمهمة ري الصحراء.

كان الإرتباك سيد الموقف بين السياسيين العراقيين خلال التحضير للمؤتمر واثناء إنعقاده، وتجلى في إشكالات دعوة الأسد لحضوره من قبل أطراف موالية لإيران، ومن ثم عودة السلطة عنها. وكان واضحاً في المقابلة التي أجراها الكاتب السياسي العراقي سلام مسافر، في برنامجه "قصارى القول" على شبكة التلفزة الروسية الناطقة بالعربية RT، مع وزير خارجية العراق فؤاد حسين في 26 آب/أغسطس، أي قبل يومين من إنعقاد المؤتمر. رفض الوزير إطلاق إسم قمة على المؤتمر وسماه "إجتماع بغداد"، ثم ما لبث هو نفسه أن تحدث عن "قمة بغداد" في مجرى المقابلة. كما رفض مقارنة الإنسحاب الأميركي من أفغانستان بالإنسحاب المقرر من العراق حتى نهاية العام الجاري، وشدد على أن السلطة في العراق لا تشبه السلطة التي كانت قائمة في أفغانستان، وعلى أن لا "طالبان" في العراق، متغافلاً عن حقيقة تحكم المنظمات المسلحة بحياة العراقيين ومصير العراق. كما أكد أن للجيش العراقي والحشد الشعبي والبشمركة "خبرة عميقة" في محاربة إرهابيي داعش وهزيمتهم، وأن لدى الأجهزة الأمنية والشرطة العراقية المعلومات الكافية عن بقايا داعش "المتواجدة هنا وهناك". 

قبل يومين من إنعقاد المؤتمر لم يتمكن الوزير من تسمية رؤساء الدول الذين سيحضرون، بل قال بأن العديد من رؤساء الدول أو رؤساء وزرائها سوف يحضرون، والبعض الاخر سوف يتمثل بوزراء الخارجية. واعترف بوجود مشاكل في البروتوكول في بغداد عندما سئل عن زحمة الوفود العراقية إلى طهران لتهنئة رئيسها الجديد، في حين أن البروتوكول يفترض وجود وفد واحد للتهنئة في مثل هذه المناسبات. وحين سئل الوزير عما يتعرض له العراقيون الذين يحاولون الهجرة إلى أوروبا عن طريق بيلاروسيا ولاتفيا من إبتزاز عصابات في شركة الطيران العراقية الرسمية وشركة طيران عراقية أخرى، وعما إذا كانت وزارة الخارجية تنوي العمل مع الأجهزة الأمنية لملاحقة هذه العصابات واستعادة أموال ضحاياها ( بين 15 و18 ألف يورو للشخص الواحد)، اكتفى بالقول بأن الوزارة تجمع المعلومات عن هذه القضية.   

صحيفة "Kommersant" التي كانت مستقلة يوماً ما، نشرت نصاً حول مؤتمر بغداد في 30 آب بعنوان "مثّل العراق دور صانع السلام". قالت كاتبة النص ماريانا بالكينا المتابعة لشؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، بأن العراق الذي تمزقه المشاكل الداخلية لعب دور المنصة للحوار بين اللاعبين الإقليميين. وقالت بأن السلطات العراقية لم تخف بأنها توخت هدفين من المؤتمر: خلق الظروف لتخفيض التوتر بين الدول الأخرى في المنطقة، مما يساعد في استعادة الإستقرار إلى العراق نفسه، وإعطاء دفع للتعاون الإقتصادي. 

وقالت الكاتبة بأن العراق يعيش بإنتظار موجة إضطرابات جديدة، ولذلك من المهم لقيادته الحصول على موافقة جيرانه بعدم زعزعة إستقراره، بل العمل على بقاء البلاد مستقرة. 

وفي إشارة من الكاتبة لارتباك القيادة العراقية في الإعداد للمؤتمر وإجرائه، قالت بأن الحديث كان يجري في البداية عن قمة للبلدان المجاورة للعراق. ومع ذلك لم يدعَ للمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد، لأن حضوره كان "سيثير الكثير جداً من النقاشات"، في حين أن عقد المؤتمر نفسه كان أولوية للعراق الذي لا يزال غير مهتم بالاتجاه السوري. وتتحدث عن الإشكال "البروتوكلي" الذي تسبب به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في المؤتمر، وذلك حين إنتقل من الصف الثاني لوزراء الخارجية إلى الصف الأول للرؤساء، حين وقفوا لإلتقاط الصورة التذكارية للمؤتمر. كما تحدثت ايضاً عن "خطأ" عبد اللهيان في رقم حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران، حيث ذكر مبلغ 300 مليار دور بدلاً من رقم 13 مليار الذي ذكره رئيس الوزراء العراقي. 

توجهت "المدن" إلى كاتب سياسي عراقي معروف، رغب في عدم ذكر إسمه، بالسؤال عن رأيه بمؤتمر بغداد. قال الكاتب بأن الظرفاء العراقيين يسخرون من المؤتمر وبُعده عن يوميات العراقيين الكارثية، ويتندرون بحكاية الفتاة الصماء البكماء "طنبورة" التي كانت تفهم من زوجها الفلاح "عرب" بالإشارة، أنه يرغب بممارسة "الحلال" معها حين يفترش عباءته، ليجدها وقد تمددت طوع إرادته! شب في القرية حريق في يوم من الأيام، فأسرع الزوج لفرش عباءته وجمع ما يمكن إنقاذه، إلا أن "طنبورة" قفزت وتمددت على العباءة، متوهمة أنه يريد "الحلال" معها. فهتف "عرب" والنيران تقترب من كوخه "عرب وين وطنبورة وين"!

قال الكاتب العراق بأن العراقيين المكتوين بانقطاع التيار الكهربائي في جحيم صيف العراق، وتغول المليشيات، والاغتيالات والتهجير، والفساد الذي بلغ درجة لم تصلها من قبل أفسد جمهوريات الموز، تابعوا بمرارة، ممزوجة بالسخرية مؤتمر بغداد، الذي لم يضف "خردلة واحدة" لا في الجيوسياسة الإقليمية ، ولا في تحقيق التوافق المنشود داخل العراق المفتت، فاقد السيادة، بفعل التدخلات الإيرانية .

وفي إشارة إلى سلوك وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر، يقول الكاتب بأن حسين أمير عبد اللهيان تباهى بفصاحته العربية "المكتسبة من عمله في لبنان في إستخبارات الحرس الثوري"، ثم مسؤولاً عن ملف الشرق الأوسط في الخارجية الإيرانية. ويقول بأن عبد اللهيان "كان جريئاً بصلافة" في خرق العرف الدبلوماسي بوقوفه في الصف الأول بين الرؤساء، بعد أن ترك موقعه بين وزراء الخارجية في الصف الثاني لإلتقاط الصورة التذكارية للمؤتمر. وتحول هذا المشهد إلى مادة شغلت مواقع التواصل "في العراق وخارجه، ولم يلتفت كثيرون إلى "منجزات المؤتمر غير الموجودة أصلاً". ويرى بأن أحداً في تشريفات رئاسة الوزراء "لم يجروء" على تنبيه اللهيان إلى أنه يقف في المكان الخطأ، وذلك لأن الطبقة الحاكمة في العراق، وبإعتراف وزير الخارجية فؤاد حسين في مقابلة التلفزيونية، تعاني من مشكلة في البروتوكول، خاصة مع إيران. ويقول بأن عبد اللهيان، بسلوكه هذا، ذكر العراقيين ومن قبلهم العرب كافة، بأن إيران هي صاحبة الأمر والنهي في العراق، وبأنها "تفرش العباءة متى ترغب وحيثما تشاء". 

ويضيف الكاتب بأن العراقيين يعلقون على ما ذكره  عبد اللهيان بأن حجم  التبادل التجاري بين العراق وإيران  بلغ 300 مليار دولار، صححها الكاظمي  إلى 30 مليار(الكاتبة الروسية ذكرت الرقم 13 ملياراً). ويرون بأن عبد اللهيان يعرف الرقم الحقيقي الذي يشمل عمليات غسل الأموال، ونهب الأحزاب الموالية لإيران، وتحويل العملات الصعبة من البنك العراقي إلى المصارف الإيرانية عبر لبنان المنكوب.

ويرى الكاتب العراقي أن مؤتمر بغداد لم ينتج "غير فيلم سيئ الإخراج" عن الكاظمي الذي إرتكب سلسلة أخطاء وعثرات لم تكن غريبة على شخص، "موهبته الوحيدة أنه صم بكم يتلقى الإشارات من طهران وواشنطن".

وعن حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يقول الكاتب بأنه حضر إلى مؤتمر بغداد في محاولة منه إستعادة دور فرنسا الديغولية في الشرق الأوسط، لكن "لا وزنه ولا قامته الفيزيائية والسياسية تصل إلى هامة ديغول". 



 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها