الإثنين 2021/08/30

آخر تحديث: 22:51 (بيروت)

قواعد الفلتان الأمني

الإثنين 2021/08/30
increase حجم الخط decrease

شهد الأسبوعان الماضيان تصاعداً نوعياً في الأحداث الأمنية نتيجة أزمة المحروقات، وفي ظل غياب أي أفق سياسي أو اقتصادي. إلا أن العنف اللبناني الذي يطل برأسه في مناطق مختلفة، ليس منفصلاً بشكل كامل عن السياسة والتوترات الاقتصادية والاجتماعية. ذاك أن الوعاء الطائفي السياسي للمناطق اللبنانية، يُعيد تشكيل البلاد مع تحلل مؤسسات الدولة، وتحولها إلى مجرد ديكور غير فاعل. وهذا الوعاء أو التشكيل غير مكتمل، رغم الطموحات السياسية، ويأخذ شكلاً محلياً متفرقاً.

اليوم، يطلب عسكريون وأمنيون مساعدات تماماً كأغلب السكان، إذ حولهم تلاشي رواتبهم الى فقراء غير قادرين على تأمين أدنى متطلبات العيش. وحادثة فرار 7 سجناء من مخفر ضهر البيدر، ليست خارجة عن هذا السياق، إذ من الصعب اليوم الحديث عن قوى أمنية قادرة على أداء واجباتها، في ظل غياب الحد الأدنى من مقومات العيش. أيُضحي العسكري بحياته في سبيل وظيفة لا تؤمن له ولعائلته حاجاتهم الأساسية، ناهيك عن توفيرها في حال الوفاة؟ في أغلب بلدان تشهد مثل هذا الانهيار، تُصبح أجهزة الأمن نفسها جزءاً من المشكلة الأمنية. 

والتحلل الأمني الحاصل اليوم، وتحديداً أعمال الخطف، كما حصل مع المغترب علي صالح الذي قضى في عملية سرقة الشهر الماضي بعد وصوله إلى مطار بيروت. ويوم أمس أيضاً، خطف شبان يستقلون سيارة جيب رجل الأعمال المغترب عبد الله سعيد طه من أمام منزله في كامد اللوز البقاع الغربي وفروا إلى جهة مجهولة. كما بدأنا نرى عمليات سطو مسلح بدافع السرقة، لكنها تُودي بضحايا. هكذا حصل في الاعتداء المسلح على طريق معمل السكر في البقاع الاوسط، إذ قضى على حياة سيدة وكاد يقتل رجلاً وزوجته.

 

تكاثر عمليات الخطف والسرقة، يتزامن أيضاً مع التعديات على محطات الوقود، وفي حالات محددة، فرض شبان حزبيون أو محليون شراكة فيها مع رب العمل. أزمة الوقود وشح المازوت يدفعان بالقوى المحلية الى التنافس، وهذا يظهر في شكل تنافس بين قرى، إذ تنجح إحداها في تأمين المواد المطلوبة، فيما تفشل أخرى نتيجة سوء الإدارة أو ضعف العلاقات أو حتى انتشار التهريب بشكل أوسع. الاشتباكات بين القرى أكانت من طائفة واحدة أو طائفتين أخريين، تندرج ضمن عنف أهلي قد تكون له خلفيات أقدم أو لا.

مثل هذه الحوادث قد تتسرب إلى السياسة على شكل مطالبة بالتقسيم أو الفيدرالية، بصفتها حلاً يتيح إدارة أفضل للأزمة الحالية وغيرها. 

بيد أن الأمن يتحول بشكل تدريجي إلى سلعة، قد يُصار إلى بيعها لمن يحتاج، ومن الصعب ضبطه دون إغلاق بعض المناطق في حال تواصل الانهيار بالوتيرة ذاتها. لكن ذلك لا يعني بالضرورة سيطرة القوى التقليدية أو ميليشيات الحرب السابقة، بل الأرجح أن نرى قوى محلية مختلفة تتحدى أي سلطة مركزية في الطائفة أو الحزب، بما يستدعي المزيد من العنف للحفاظ على النفوذ والسيطرة.

حسابات السلطة السياسية في ترك الانهيار على عقاله، تفتح أبواباً لأحداث من الصعب إبقائها تحت السيطرة، وقد تصير عمليات الخطف والقتل والسرقة، اقتصاداً مستقلاً للتعويض عن مجرة كاملة من الفرص الضائعة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها