السبت 2021/08/28

آخر تحديث: 06:16 (بيروت)

أفغانستان قبل لبنان

السبت 2021/08/28
أفغانستان قبل لبنان
increase حجم الخط decrease

لم يجد أدوارد لوس، أحد كتاب الفايننشال تايمز، سوى عبارة "إنها لحظة جيمي كارتر"، لوصف الأزمة السياسية للرئيس الأميركي جو بايدن بعد الفشل الذريع في الانسحاب بسلام من أفغانستان بعد 20 عاماً من الحرب.  لوس كان يشير في مقارنته الى عملية فاشلة، لا بل كارثية، للجيش الأميركي بإسم "مخالب النسر" في 24 نيسان (أبريل) عام 1980، كان الهدف منها تحرير الرهائن الأميركيين في طهران.

بعث الرئيس الأميركي حينها كارتر ثماني مروحيات عسكرية لإيران، وصلت منها خمس فقط، إذ أُصيبت واحدة بمشكلة تقنية، وعلقت أخرى بعاصفة صحراوية، وتعطلت مروحة أخرى نتيجة انشقاقات. لكن القادة العسكريين نصحوا كارتر باتخاذ قرار بوقف العملية وسحب القوات، وفعل ذلك، لكن وخلال الانسحاب وقع حادث اصطدام أودى بحياة 8 جنود. 

لطخت هذه الحادثة إدارة الرئيس كارتر وقضت على فرصه بالفوز بدورة ثانية. اليوم، وبعد اعتداءات تنظيم "الدولة الاسلامية-خراسان" في مطار كابل وسقوط 13 جندياً أميركياً وعشرات الأفغان قتلى، على الرئيس الأميركي جو بايدن بذل مجهود كبير للنجاة من وضعه الحالي. هذه الوضعية تُقيد بايدن، وتحد من قدرته على تنفيذ استراتيجيته بالسياسة الخارجية دون عراقيل. هذا واضح في الملف الإيراني على سبيل المثال، إذ تعرض بايدن لسيل من الانتقادات، وبات هناك في الحزب الديموقراطي من فقد الثقة بقدرة الرئيس على إدارة ملفات خارجية حساسة. الأرجح أن العودة للاتفاق النووي مع ايران، باتت مهمة أكثر صعوبة مع مظاهر الضعف والفشل الذريع في أفغانستان.

وهذا سينعكس على المنطقة بأسرها، ومنها لبنان، وهو مسرح للتوترات الإيرانية-الأميركية. والوضع الأفغاني غالباً ينعكس على لبنان بأشكال أخرى. أولاً، سيطرة "طالبان" على كابل، ونزوح عشرات الآلاف رفع الأزمة الأفغانية في سلم الأولويات الأوروبية. لم يعد لبنان مصدر قلق رئيسياً بالنسبة للجانب الأوروبي، بل باتت الأولوية هي أفغانستان، إما لناحية تخصيص موازنات طارئة للتعاطي مع الأزمة هناك، أو لجهة التركيز على اجتراح سياسة جديدة لمكافحة الإرهاب ومخاطره من هذا البلد، لتجنب اعتداءات  11 أيلول جديدة، وصعود آخر لتنظيم "داعش".

حتى إن دبلوماسيين أوروبيين في بيروت حاولوا مع عواصمهم خلال الأسبوع الماضي اثارة الأزمة اللبنانية والحاجة لمعونات إنسانية أو تدخل سياسي، تفاجأوا بسماع إجابة بأن الأولوية أفغانية، والتركيز هو على ما يحصل في كابل، وليس في بيروت. ذاك أن الموازنات الأوروبية تخضع لسياسات تقشف في المساعدات الدولية، نتيجة الانكماش الاقتصادي بعد جائحة الكورونا. وإذا لم تتحول الأزمة اللبنانية إلى حرب أو موجات نزوح جماعية، سيُواصل الاهتمام الأوروبي بها انخفاضه.

التركيز الدبلوماسي الآن هو على تطوير الحماية الذاتية، إذ ستتحول أغلب البعثات خلال سنوات قليلة الى محميات مع اكتفاء ذاتي خدماتياً، تماماً كحال السفارة الأميركية، نتيجة فشل الدولة في توفير الخدمات الأساسية، واحتمال تردي الوضع الأمني مع ارتفاع وتيرة التدهور الاقتصادي والاجتماعي. خطط الاجلاء جاهزة، وهناك سفارات أوروبية خفضت عديدها، تحسباً.

انتصار حركة "طالبان" بهذه الطريقة، وتداعيات الأزمة الأفغانية يقللان من الاهتمام بالأزمة اللبنانية، والأرجح أن تسقط من قائمة الأولويات في الدعم الإنساني. حتى في مجال العقوبات، بات مستبعداً أن يُعاقب الاتحاد الأوروبي سياسيين لبنانيين على الفشل في تشكيل الحكومة أو العرقلة في تنفيذ الإصلاحات. كانت بريطانيا تقترح الغالبية الساحقة من العقوبات سابقاً (على سوريا)، وهي خرجت، في حين يبدأ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد شهور قليلة معركة الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها في العاشر من نيسان (أبريل) المقبل. الساحة اللبنانية مفخخة بخيبات الأمل، ومن الأفضل تجنبها.

خلاصة الأمر أن لبنان ليس على طاولة أحد اليوم، وبات من ضرائب التأخر في تشكيل حكومة وبدء الإصلاحات، تراجع الاهتمام، وبروز أزمات أكثر الحاحاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها