الإثنين 2021/08/02

آخر تحديث: 07:57 (بيروت)

طقوس سنوية المرفأ ..لا بديل لمحكمة دولية

الإثنين 2021/08/02
طقوس سنوية المرفأ ..لا بديل لمحكمة دولية
© Getty
increase حجم الخط decrease

عند الثامنة من مساء ذلك اليوم المشؤوم، من العام الماضي، كان يتوقع، بل كان يرجى، أن يصدر الرئيس ميشال عون بحضور الرئيسين نبيه بري وحسان دياب، من قصر بعبدا، بياناً الى الشعب اللبناني يعلن فيه العزاء والحداد، والإستقالة الجماعية لرؤساء وأعضاء السلطات الثلاث، وقادة المؤسسات العسكرية والأمنية، والاستعداد لنقل تلك السلطات الى وجوه جديدة، في فترة زمنية محددة،  بإعتبار أن الجميع مسؤولون عن الكارثة الكبرى التي حلت بالعاصمة بيروت جراء إنفجار المرفأ، وجاهزون للتحقيق والمحاسبة والمحاكمة.

لكن هذا السيناريو، الطبيعي والمنطقي في أي بلد في العالم يواجه مثل هذه الفاجعة الوطنية، غاب عن البال تماما، جراء إنعدام الاحساس بالمسؤولية التي جرى على الفور التنصل منها والسعي الى توزيعها على صغار المسؤولين والموظفين، والتعامل مع الانفجار، غير النووي الأضخم في العالم، والذي تسبب بسقوط 214 ضحية وما يزيد على ثلاثة آلاف جريح،  بصفته كارثة من كوارث الطبيعة، التي تحصد الألاف من القتلى جراء الزلازل او الفيضانات او الحرائق..

الاشتباه بأن السلطة تغذي الاعتقاد بأن ما جرى هو بمثابة كارثة طبيعية، لم يعد يحتاج الى أدلة، تتخفى وراء رسوخ نظرية الفساد والاهمال كسبب وحيد، يدعم فرضيات سطحية مثل التلحيم أو العس أو الإحتقان الهوائي، تبعد النقاش والتحقيق والمسؤولية طبعا، عن عناصر جوهرية في التفجير، تكاد تصبح من المحاذير، مع أنها الأصل الذي لا مفر من مواجهته يوماً ما مهما طال الزمن على الجريمة الكبرى.

وهكذا ثبت في الاذهان، أن العدو الاسرائيلي الذي سبق له ان حدد العنبر ونشر صورته كمخزن لحزب الله، ثم سارع بعد لحظات على الانفجار الى الاعلان عن تفجير متعمد، وكذا فعل الرئيس الاميركي يومها دونالد ترامب، بناء على معلومات أجهزة الاستخبارات الاميركية، حسب تعبيره.. الى أن صدر التعميم بأن الأمر ناجم عن أهمال وفساد وسؤ تخزين لمواد خطرة.

وعليه، إستبعدت على الفور مسؤولية حزب الله عن العنبر وما يحتويه، مثلما شطبت الى حد بعيد مسؤولية النظام السوري عن الاستيراد والتخزين والتفريغ..وعن التخلي عن ربع الكمية المخزنة من نيترات الامونيوم، التي كانت كافية للتسبب بالمأساة. وسار التحقيقات الاولية في هذا الاتجاه: الاسرائيليون ينكرون، ويفرضون الرقابة العسكرية على التداول بأي معلومات عن الانفجار، والمحققون الاميركيون الذين كانوا أول من وصل الى المرفأ لم يكن لديهم طبعا أي دافع للتدقيق في مصدر الانفجار الاول الذي أدى بعد ثلث ساعة الى الكارثة الكبرى.

طوال الشهور ال12 الماضية، ضاعت هذه الاسئلة، أو الشبهات. غرق التحقيق القضائي في تفاصيل صراعات محلية ثانوية، لا توازي بأي حال من الاحوال حجم القضية، وتعرض لإتهامات ظالمة بالتورط مع شركات التأمين، أو بالمساهمة في لعبة الحصانات والنزاعات السياسية والأمنية الداخلية.. ما ينذر بأن يمتد التحقيق لما يكفي من الوقت لسقوط الملف بدعوى مرور الزمن، ويطوي نهائياً فكرة الادوار والمسؤوليات الخارجية عن الكارثة، حتى يأتي يوم وتنكشف وثائقها السرية الاسرائيلية او الاميركية او السورية..

الخيار الوحيد لتقصير الزمن، والحؤول دون دفن القضية، كان ويبقى باللجوء الى القضاء الدولي، برغم صعوبة هذا المسار وتعقيداته. فتح التحقيق من جديد من نقطة الصفر، بالاستعانة بأهم الخبراء في العالم، لا سيما الذين أبدوا رغبة بالمساعدة، وبناء على قرار دولي مسبق من الامم المتحدة بتشكيل محكمة دولية خاصة، تتولى تحقيق العدالة، مهما كلف الأمر. وهو أمر مكلف طبعا، لكنه أقل كلفة من سيادة شعور إضافي بعبء الإهمال والفساد أيضاً في مقاربة الكارثة الكبرى.

وحتى ذلك الحين، يمكن الاكتفاء بالطقوس والتحولات والاشارات السائدة الآن، والتي تقاوم، عبثاً، إزالة آثار عدوان صريح إستهدف بيروت قبل عام مضى.                              

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها