الخميس 2021/07/08

آخر تحديث: 20:24 (بيروت)

السفيرتان اللتان لا تعرفان الرياض ولا بيروت

الخميس 2021/07/08
السفيرتان اللتان لا تعرفان الرياض ولا بيروت
increase حجم الخط decrease

ما زال الخبر يقع في باب الغرائب. يصعب تصديقه، ويستحيل فهمه. لأنه لا يندرج في أي عرف دبلوماسي، ولا الى أي تقليد سياسي. ليس له أي منطق، أو أي مبرر حتى.  

لا شأن للسيادة اللبنانية ولا للكرامة الوطنية، أن تُزور سفيرتان غربيتان معتمدتان في لبنان، السعودية، في مهمة رسمية، جرى الإعلان عنها في بيانين صدرا عن السفارتين الاميركية والفرنسية في بيروت، عرضا محور المحادثات السياسية والإنسانية المرتقبة في الرياض حول الشأن اللبناني.

 ليست زيارة للعمرة، ولا للفطرة، ولا لطلب الإغاثة. هي بالتأكيد ليست بمبادرة شخصية من السفيرتين الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو، اللتين لا يمكن ان تغادرا مقر عملها في بيروت إلا بإذن مسبق، أو بتكليف محدد من وزارتيهما: وهنا سبب أول للدهشة، من دون العودة بالذاكرة الى كتب التاريخ التي تتحدث عن دور السفراء والقناصل في تكوين لبنان وفي ضمان استمراره واستقراره، وعما إذا كانت دول المتصرفية الراهنة تعتقد أن الوضع اللبناني الحالي لا يختلف كثيرا، عما كان عليه في القرن التاسع عشر، عندما لم تكن هناك دولة ولا حدود ولا شعب أيضا.

الإذن جاء من واشنطن وباريس، مرفقاً بتكليف ما بإبلاغ المسؤولين في وزارة الخارجية السعودية بأن لبنان في خطر ودولته في مهب الريح وشعبه على حافة الجوع. أما لماذا وقع الاختيار على السفيرتين المعتمدتين في بيروت تحديداً بنقل هذه الرسالة، فذلك أمر لا يمكن إدراكه بسهولة مهما إختلفت المعايير والازمان. السفيرتان ليستا خبيرتين محلفتين في الشأن اللبناني، والأكيد أنهما ليستا الأكثر خبرة ودراية بالشأن اللبناني، بالمقارنة مع العشرات من المسؤولين والدبلوماسيين الاميركيين والفرنسيين الذي يتابعون أخبار لبنان يومياً ويصيغون السياسات الاميركية والفرنسية تجاهه.

لماذا لم تفكر واشنطن وباريس بإرسال أثنين من هؤلاء، الى الرياض؟ ربما لأن المهتمين الاميركيين والفرنسيين بلبنان، ضاقوا ذرعاً من أحواله، ومن الاستنزاف المستمر لأفكارهم وإقتراحاتهم لمعالجة الازمة اللبنانية، ومن الاغفال المتعمد لتوبيخاتهم الرسمية المتكررة الموجهة مباشرة الى كبار المسؤولين اللبنانيين، والتي لم تحرك ساكناً في أي منهم. فقرروا على ما يبدو اللجوء الى السفيرتين اللتين اكتسبتا في بيروت خبرة جديدة في التوبيخ عبرتا عنها في وجه رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب في لقائه العلني في السراي الحكومي أمس مع السفراء العرب والاجانب المعتمدين في لبنان.

لكن، حتى هذا التفسير يظل ناقصاً، فضلا عن أنه يترك إنطباعاً سيئاً جداً عن مستوى النقاش الذي يدور في واشنطن وباريس حول لبنان: اللجوء الى السعودية وطلب النجدة منها ينم عما هو أكثر بكثير من الجهل الاميركي والفرنسي لموقف الرياض، الذي لا يخفي الاعتراض على تكليف سعد الحريري بالذات  بتشكيل حكومة جديدة، ولا ينكر الخصومة مع الرئيس ميشال عون وجميع حلفائه، ولا ينفي اليأس من مختلف حلفاء المملكة وأصدقائها اللبنانيين.. وهو ما كان في جوهر قرار السعودية المعلن والمكرر بإسقاط لبنان كلياً من جدول أعمالها وحساباتها السياسية.

في واشنطن وباريس، ثمة من يتسلى بلبنان وأزمته ويختبر أفكاراً "مبتكرة" لمعالجتها، مع العلم أن هناك فكرة واحدة كان ولا يزال يمكن ان تؤتي ثمارها أكثر من إرسال سفيرتين سافرتين وحيدتين الى السعودية، ومن دون أن يلاقيهما أحد من الدبلوماسيين الاميركيين والفرنسيين في الرياض، كما هي العادة والعرف عندما يتقرر البحث في شؤون بلد ما: بدل تلك الزيارة التي لن تعود منها السفيرتان إلا خائبتين، كان يكفي صدور تحذير رئاسي او وزاري أميركي_ فرنسي مشترك، الى الرئيس عون من عواقب إصراره على تسمية الوزيرين المسيحيين، أو الى الرئيس نبيه بري من مغبة عدم التساهل ولو لمرة واحدة فقط، مع حق رئيس الجمهورية في المشاركة في تأليف الحكومة الجديدة.. لوقف الانهيار الاقتصادي والمعيشي في لبنان.  

      لكن يبدو أن واشنطن وباريس إختارتا طريقاً ملتوياً، لا يعبره سوى الراغبين في تحويل الازمة اللبنانية وجهود معالجتها الى مادة للتسلية أو للسخرية التي لا يحتملها أحد من اللبنانيين هذه الايام.    

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها