الأحد 2021/07/04

آخر تحديث: 17:52 (بيروت)

عندما يضع البابا فرنسيس لبنان في عناية السماء

الأحد 2021/07/04
عندما يضع البابا فرنسيس لبنان في عناية السماء
© Getty
increase حجم الخط decrease

هي بداية الرحلة الى السماء، لا نهايتها، بعدما إستعصت الحلول على أهل الارض، وسُدّت جميع الابواب في وجههم. الفاتيكان هو الملاذ الأخير. والبابا فرنسيس هو المرشد الآمن. 

هكذا بدت الصلاة التي ترأسها أعلى مرجع  روحي كاثوليكي في العالم، يوم الخميس الماضي، مع رؤساء الطوائف المسيحية اللبنانية، الذين أعيتهم السبل في تدبر شؤون بلدهم الذي يضيع، وشعبهم الذي يجوع، وبعدما ثبُت أنه لم يعد هناك فرصة للسياسة، ولا لرد إعتداء السياسيين اللبنانيين على الشعب اللبناني، حسب التعبير الكنسي المتداول حديثاً، سوى باللجؤ الى السماء.

وهذا في الأصل دور الفاتيكان وشأنه وإختصاصه، أن ينشر المحبة والأمل والفرح، و يبشر بالقيامة، لا أن يتهم ويحاكم ويدين بل ويعاقب.. حسبما تمنى وتوقع كثيرون من اللبنانيين من مختلف الطوائف. فالظرف اللبناني طارىء، وهو كان ولا يزال يتطلب موقفاً إستثنائياً، يستعين بالسماء، لكنه يعود الى الارض بسرعة، مدافعاً عن الرسالة اللبنانية المهددة بالزوال.  

الصلاة البابوية هي بلا شك أقوى جرس إنذار بأن لبنان في خطر، يطلقه زعيم روحي عالمي حكيم، ويردده ثمانية من القادة الروحيين المشهودين في وجه عصاة وخطاة لبنانيين، ليس لهم إسمٌ ولا علمٌ. ناشدهم المصلون التسعة أن يتحاوروا وأن يتصالحوا وأن يتفاهموا، وأن يترفعوا عن المصالح الخاصة وأن ينأوا بأنفسهم وببلدهم عن المصالح الخارجية.

  وضع البابا  لبنان وشعبه تحت عناية السماء، التي تُركت لها مهمة محاسبة المسؤولين اللبنانيين أو على الأقل إيقاظ ضمائرهم. وهذا أضعف إيمان الفاتيكان، وأقل تقديراته لخطورة ما يتعرض له بلد الرسالة المشرقية، المعترف بها رسميا من قبل الكنيسة الكاثوليكية، ولما يواجهه مسيحيوه بشكل خاص، من مخاطر لم يسبق لها مثيل.

الأزمة شأن داخلي لبناني. هذا هو تعريف البابا  فرنسيس لما يشهده لبنان وشعبه. لا مجال للتدخل، حتى لدى الزعماء السياسيين المسيحيين، على الاقل لمصالحتهم والتقريب في ما بينهم، ودفعهم الى المبادرة والمغامرة في درء الخطر الوطني الداهم، في ضوء مسؤولياتهم التاريخية عن بلدهم. ولا مجال طبعا للتوسط بين المسيحيين والمسلمين، عندما لا يثبت للفاتيكان، ولا لسواه أيضاً، أن ما يعانيه لبنان اليوم يمكن ان يختزل فقط الى مشكلة طائفية مسيحية اسلامية متجددة وموروثة من حقبٍ سابقة.

حكمة البابا فرنسيس أوجبت الحذر، على الاقل في هذه المرحلة. لا كلمة واحدة، في الصلاة ولا بعدها، عن الحياد أو عن المؤتمر الدولي الذي كاد يزيد الفراق بين اللبنانيين وهو مجرد أمل، لا ورقة عمل. ربما لاحقاً، بعد أن يستكمل الفاتيكان صياغة "الإرشاد الرسولي" الثالث الذي يحدّث ويطوّر الارشادين الذي أطلقهما البابا يوحنا بولس الثاني في العام 1997 والبابا بندكتوس السادس عشر في العام 2012.

عندها يبدأ الكلام البابوي الحاسم. الصلاة وحدها لا تكفي. والنية لا بد أن تترجم الى عمل، مأمول ومرغوب ومطلوب أكثر من أي وقت مضى، مع التسليم المسبق بأن الفاتيكان يأنف السياسة ويتفاداها. وهو ما بدا من الصلاة نفسها التي لم يسبقها تمهيد خارج الكرسي الرسولي والكنائس اللبنانية، ولم يعقبها توكيد بأنها مجرد خطوة أولى، لن تؤدي بالضرورة الى معجزة سماوية، لكنها يمكن أن توقف إنزلاق الارض اللبنانية.

هذا ما كان ينشده المسيحيون اللبنانيون، وما كان يترقبه المسلمون اللبنانيون، الذين لم يعد لديهم كرسي رسولي مشابه يمكنهم اللجوء إليه، لطلب تنظيم مثل هذه الصلاة، ولم يعد لديهم مرجع ديني عاقل يرشدهم في دنياهم وآخرتهم.. ويشارك المراجع الروحية المسيحية في الصلاة والدعاء والعمل، هنا أو في الفاتيكان أو أي مكان آخر في العالم، من أجل لبنان، الذي لن يكون ضياعه خسارة مسيحية كبرى، بل كارثة اسلامية وعربية أكبر.       

        

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها