السبت 2021/07/17

آخر تحديث: 06:37 (بيروت)

تعالوا نطالب بقنبلة نووية إيرانية

السبت 2021/07/17
تعالوا نطالب بقنبلة نووية إيرانية
© Getty
increase حجم الخط decrease

وهو يترك استئنافَ المفاوضات النووية لخلفه إبراهيم رئيسي، قال الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني أن بلاده يمكنها تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 90% إذا احتاجت لذلك. بينما لو عادت طهران إلى الاتفاق النووي فستكون ملزمة بإبقاء التخصيب عند درجة نقاء 3.67%، وهي كانت قبل الاتفاق قد وصلت إلى درجة 20%، ثم أُعلن مؤخراً عن توصلها إلى التخصيب بدرجة 60%. 

التخصيب بدرجة نقاء 90% له معنى واحد هو الشروع في صنع سلاح نووي، وما أعلنه روحاني لم يُفهم على سبيل التفاخر الأجوف. إنه تهديد حقيقي، لكنه لم يُحدث تلك الصدمة التي كان يمكن تخيلها عطفاً على الانشغال الدولي بهذا الملف منذ سبع سنوات حتى الآن، أو عطفاً على انشغال ثلاث إدارات أمريكية به، فكما نعلم صُوِّر الاتفاق النووي كإنجاز لإدارة أوباما، ثم الانسحاب منه كإنجاز لترامب، لتأتي إدارة بايدن ويظهر أن هاجس عودتها إلى الاتفاق أهم ما يحرك سياستها في المنطقة. 

لنا أن نتخيل في المقابل ما لم يحدث، كأن يصرح الرئيس الأمريكي بأن أقوال الرئيس الإيراني تهدد السلم والأمن الدوليين، بل تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، وأن قسَمه كرئيس يُلزمه بالدفاع عن أمن بلاده. لنا أن نتخيل على مستوى أقل حدة تصريحاً لرئيس وزراء إسرائيلي ينص على منع طهران بكافة الوسائل من امتلاك سلاح نووي، وتأييداً من الخارجية الأمريكية مفاده أن واشنطن لا تستطيع ردع إسرائيل بدفاعها عن أمنها القومي.

لم تحدث الصدمة، لم تحدث الضجة، لأن إدارة بايدن توقفت فقط عند تأجيل المفاوضات النووية، وأقصى ما وصلت إليه تصريح مائع من الخارجية مفاده الانتظار حتى تقرر طهران العودة، مع التلويح بأن واشنطن لن تنتظر إلى الأبد! "المرونة" الأمريكية تجاه التصريحات والأفعال الإيرانية غير محصورة باستئناف المفاوضات، فثمة صمت أمريكي "وردٌّ في الحد الأدنى عند الضرورة القصوى" تجاه الاستفزازات العسكرية من ميليشيات طهران، رغم ما نُقل في الأيام الأخيرة عن ضابط في الحرس الثوري أعطى تعليماته باستهداف القوات الأمريكية في سوريا لا في العراق فحسب. الطيران الإسرائيلي توقف عن الاستهداف المكثف للمواقع الإيرانية في سوريا، والسبب المرجح رحيل نتنياهو ومجيء حكومة تريد مسايرة إدارة بايدن ولو مؤقتاً.

المعلومات الواردة عن المفاوضات النووية تفيد بوجود شروط إيرانية تتعدى الرجوع إلى الاتفاق السابق، ومنها رفع العقوبات الأمريكية المتعلقة بقضايا الإرهاب وحقوق الإنسان، وهي عقوبات كانت قائمة قبل سريان الاتفاق عام2015. تريد طهران أيضاً الاحتفاظ بأجهزة الطرد المركزي ذات القدرة العالية على التخصيب، من أجل سهولة وسرعة معاودة التخصيب بدرجات نقاء عالية في حال الانسحاب مجدداً من الاتفاق، أو في حال انتهاء مدة سريانه من دون تمديد.

بعبارة أخرى، العودة إلى الاتفاق القديم هو طموح أمريكي معلن ليس إلا، بينما المفاوضات الحقيقية هي على مكاسب إيرانية إضافية. في طرحها للشروط الجديدة تستند طهران على إمكانية قدوم إدارة أمريكية جديدة تنكص عن الاتفاق كما فعل ترامب، وهذا لا يبتعد كثيراً عن أجواء الإدارة الحالية التي تريد اتفاقاً يتحسب الجمهوريون من كلفة الخروج منه إذا وصل لاحقاً أحد صقورهم إلى البيت الأبيض. علينا هنا ملاحظة الجدل الأمريكي الداخلي، حيث يحاجج ديموقراطيون بأن الانسحاب من الاتفاق جعل طهران قريبة جداً من الحصول على سلاح نووي، وهذه سبيل لتبرير التنازلات الجديدة وللالتفاف على حجج الجمهوريين المتعلقة أصلاً بضعف الاتفاق الأصلي، وأنه في أحسن الأحوال يؤجل الحصول على السلاح النووي إلى ما بعد شهور قليلة من انتهاء مدة سريانه، من دون عرقلة جوانب عديدة تتعلق بالإعداد للسلاح النووي أثناء سريان الاتفاق.

كان أوباما، في تصريح شهير غداة التوقيع على الاتفاق عام 2015، قد قال أنه يعود لقادة إيران تقرير ما سيفعلونه بالأموال بعد رفع العقوبات، فإما إنفاقها من أجل رفاهية الشعب الإيراني، أو على الميليشيات والحروب التي تخوضها في الجوار. لقي التصريح آنذاك من يقرأ فيه حنكة أمريكية تهدف إلى توريط إيران واستنزافها في المزيد من الحروب، ولا يُتوقع من المقتنعين بالحنكة الأمريكية الكفّ عن قناعاتهم مع العودة إلى الاتفاق معدَّلاً "ربما بتفاهمات جانبية"، على الرغم بروز نتائج "توريط واستنزاف إيران" الكارثية على سوريا واليمن والعراق ولبنان، من دون ضرر يُذكر على حكم الملالي.

لكن، إذا كان لا بد من حنكة أمريكية، فهي في القدرة على تحقيق هدف أمريكي وجعل الآخرين يدفعون الثمن الباهظ، بل وإقناع هؤلاء الذين يدفعون الثمن بأنهم يدفعون به عن أنفسهم السيناريو الأسوأ. بصياغة أوضح، الحنكة الأمريكية هي في إشاعة قناعة ضمن المنطقة بخطر إيران النووي، وبأن مخاطر هيمنتها ستتفاقم أكثر بكثير مما هو عليه الحال الآن، أو بالقياس إلى المكاسب التي قد تحصل عليها طهران إقليمياً في المفاوضات الراهنة. 

لا خلال المفاوضات الحالية، ولا تلك التي سبقت اتفاق عام2015، انبرى مسؤول في المنطقة إلى القول أن طاولة المفاوضات مقلوبة وينبغي إعادتها إلى وضعها الطبيعي. بمعنى أن المساومة التي تهم شعوب المنطقة حقاً هي تلك التي تعطي لإيران خيار امتلاك السلاح النووي مقابل انسحاب ميليشياتها من دول الجوار، واعتبار السلاح النووي ضماناً لأمن نظامها بحيث لا يستخدم التوسع في المنطقة كذريعة لحماية "الأمن القومي". 

لن يحمل عناصر الحرس الثوري وعشرات الميليشيات التابعة له القنابلَ النووية ويتجولون أو يلقون بها هنا وهناك في مختلف دول المنطقة، فالسلاح النووي بطبيعته سلاح ردع، وكل الأنظمة التي امتلكته "بما فيها ديكتاتوريات كنظام كوريا الشمالية" لم تستخدمه ولن تستخدمه إلا في حروب تتعلق بوجودها، أو بوجود الدولة ذاتها في الأنظمة الديموقراطية. واشنطن لا تطرح خيار تغيير النظام الإيراني ليستخدم الأخير سلاحه النووي المقبل، وتل أبيب إما أن تسلّم بامتلاك إيران السلاح النووي أو أنها ستستبق ذلك بضرب المنشآت النووية، وفي الاحتمال الثاني يكون التصرف الإسرائيلي مؤجلاً حتى تنقضي مدة الاتفاق.

إذا كان ثمن عدم امتلاك القنبلة النووية إمعان الحرس الثوري في تدمير دول المنطقة فالأفضل لشعوبها أن تمتلك إيران القنبلة النووية، وأن تُعفى الشعوب من دفع ثمن دموي لقاء تأجيل الطموح الإيراني. هذا ليس رأي إدارة بايدن التي تريد تأجيل ذلك الاستحقاق، وخلال سنوات الوصول إليه تكون طهران قد راكمت مكاسبها في عموم المنطقة بتواطؤ أمريكي وأوروبي، لتحصل إيران في النهاية على أهدافها الإقليمية والنووية. نعم، ثمة حنكة أمريكية في تمرير هذا كله وفق "مفاوضات ومقايضات شاقة"، ثم في الإقرار بحتمية الوصول إلى النتيجتين معاً! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها