الجمعة 2021/07/16

آخر تحديث: 23:16 (بيروت)

الانتخابات لن تُوقف الإنهيار

الجمعة 2021/07/16
increase حجم الخط decrease

لا يُوجد جدار عُلقت عليه الآمال والتوقعات مثل الانتخابات النيابية العام المقبل. ولا يقتصر هذا الموقف على السياسيين فحسب، بل يشمل أيضاً القوى المحسوبة على الثورة أو على المعارضة في البلد.

رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري الذي قدم اعتذاره يوم أمس، يرى في الانتخابات محطة تفصل بين فريقين، فهي "موعد مع كل الناس التي تسير ضد المبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة مختلفة". 

الخرزة الزرقاء التي أسهمت عام 2018 في إنجاب كل هذا الخراب، ستتحول في موسم الاقتراع المقبل إلى سبابة تخرق عيون رافضي المبادرة الفرنسية، ومعارضي تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة الحريري.

في المقابلة التلفزيونية، وحتى في تصريح الإعتذار، لم تكن عين الحريري سوى على الانتخابات، بصفتها محطته الثانية بعد فشله في التأليف، يعود عبرها الى الساحة السياسية. وحتى موعدها العام المقبل، سيُحاول الحريري الحفاظ على ما تبقى من شعبيته المتهالكة من خلال إظهار نفسه كمن لا يُفرط بحقوق الطائفة، وأيضاً كضحية لعجرفة الرئيس ميشال عون. يتصرف وكأنه يملك مفاتيح الحل من خلال حكومة مستقلين وشبكة علاقات دولية وعربية. بالنسبة له، يُتيح خروجه من السلطة الإضاءة على أي مصاعب وفشل حكومي وسياسي، وأيضاً تحميل خصمه كل تبعات الانهيار المتواصل.

بكل بساطة، يرى الحريري في الانهيار فرصة سياسية بالإمكان صرفها في الانتخابات المقبلة.

"القوات اللبنانية"، وهي الآن في موقع الخصومة مع الحريري، لا ترى سوى الانتخابات، وتحقيق نتيجة أعلى فيها، وسط قناعة بأنها قادرة على اقتناص العدد الأكبر من النواب المسيحيين من كتلتي "الوطني الحر" و"المستقبل"، بما يُخولها التنافس على الرئاسة أو المشاركة في تسمية الرئيس. 

حتى ضمن القوى المحسوبة على الثورة، تشملها حُمى الهوس بالانتخابات، والعمل المبكر في سبيلها. 

ميشال معوض، النائب المستقيل والمتحالف سابقاً مع النائب جبران باسيل، اختصر هدف تحالفه مع رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل، بـ"تشكيل قوة مسيحية ثالثة". لهذا السبب تحديداً، هناك تركيز كبير على الانتخابات كمحطة أساسية للانتقال الى طور جديد من التمثيل المسيحي.  معوض والجميل، تماماً مثل "القوات"، يرغبان في حصد كتلة أصوات كبيرة لـ"الوطني الحر" خسرها خلال السنوات الماضية من عهد ميشال عون. يقف كثيرون محسوبون على "الثورة"، خلف هذه الجبهة، ويرغبون في الوصول الى الانتخابات. هؤلاء "الثوار" تحولوا الى خبراء في الانتخابات والدوائر وأصواتها وطوائفها، وباتوا يُجرون حسابات من الآن لحظوظهم بالفوز وفقاً للقانون الحالي.

وبعض أركان السلطة ممن شارك في تحويل مليارات الدولارات للخارج حين أغلقت المصارف أبوابها بعد التظاهرات. العائد الانتخابي لهذه الأموال "الفرش" بات أعلى بكثير مما كان خلال الفترة الماضية. هذه الانتخابات المقبلة، يتداول السياسيون، ستكون "الأرخص"، تاريخياً. الحديث بالانتخابات يكشف أيضاً كم اللامبالاة بحجم المعاناة.

وما نراه اليوم من غياب لافت للحديث الاقتصادي والمالي عن النقاش العام، والتركيز على "حقوق الطوائف" وتقاذف الاتهامات بالفساد والارتباط بالخارج، ينسحب أيضاً على الانتخابات. 

الانتخابات وحدها هي ما يُفكر فيه هؤلاء، لا الانهيار ولا سبل وقفه وعلاجه ومحاولة النهوض، ناهيك عن المعاناة الرهيبة للناس. بالعكس، التفكير هو في كيفية تمرير الوقت، إن كان من خلال إقامة موقتة في الخارج وتمضية الكثير من العطل، حتى يحين موعد الانتخابات. بضعة بيانات كل شهر تكفي، علاوة على اظهار بعض صناديق المساعدات للإشارة "الى أننا لم نترك المواطنين خلال الأزمة".

والغريب في الأمر أن هذا التفكير يشي بحتمية الانتخابات، وكأن رد الفعل على الانهيار سيقتصر على بعض التكسير والغضب. فعلاً؟ يفوتهم أن في هذا الانهيار السريع، تقع الانتخابات في محطة زمنية بعيدة جداً دونها تحديات كثيرة، مالية وأمنية وسياسية، من الصعب التحكم بمآلاتها، وقد تخلق بلداً لن يقدر أغلب هؤلاء على العيش فيه، ناهيك عن خوض انتخابات.



 



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها