الثلاثاء 2021/07/13

آخر تحديث: 08:28 (بيروت)

طالبان على أبواب روسيا

الثلاثاء 2021/07/13
طالبان على أبواب روسيا
increase حجم الخط decrease

لم يكن يكفي المنطقة ما فيها من حروب وإنهيارات وقتل ودمار، حتى تقذف أميركا بوجهها فرارها من أفغانستان. صحيح أن وقع الفرار الأميركي هو الأشد على المنطقة، لكن لن ينجو من عواقبه كل الأطراف الدوليين المعنيين في آسيا الوسطى والشرق الأوسط. وشماتة إيران وروسيا والصين وبقية أطراف الممانعة ودعاة "التوجه شرقاً" بالهزيمة الأميركية في الحرب الأفغانية، قدمت لهم الولايات المتحدة "شرقاً طالبانياً" على طبق من التوحش يدق أبوابهم الآن، إذ أن طالبان أصبحت تسيطر على أكثر من 85% من أفغانستان، وغدت سيطرتها الكاملة مسألة وقت لا غير. كل من الشامتين يحكم إقفال أبوابه، وينهمك الآن في كيفية تدبر أمر كرة النار التي قذفتها بوجهه الولايات المتحدة، وإن كان البعض يتوهم أن بوسعه إنتشال كستناء من اللهيب الأفغاني. كل من الشامتين الآن بفرار الأميركيين ساهم بقدر ما تتيح له إمكانياته، وفي المجال المتاح له، في هذا الفرار من دون كثير حسابات بأن الهوة التي خلفها الأميركي وراءه هي أكبر من طاقة كل منهم على ردمها منفرداً. حتى روسيا التي حاولت ذلك في أفغانستان على مدى عشر سنوات من الحرب، فشلت وخسرت إمبراطوريتها السوفياتية.

توجهت "المدن" إلى عدد من الكتاب السياسيين الروس ببضعة أسئلة بشأن الحدث الأفغاني، وكيف تتعامل معه كل من روسيا وإيران، وما أسفرت عنه زيارة وفد طالبان إلى موسكو في 8 من الشهر الجاري. 

خبير منتدى "فالداي" للحوار الدولي والمجلس الروسي للعلاقات الدولية والمتخصص بالشأن الإفغاني غيورغي أساتريان قال ل"المدن" بأن تعزيز الإسلاموية والتشدد في أفغانستان سوف يترك تأثيره على الوضع في سوريا وسائر الشرق الأوسط. ولهذا بالذات تقف روسيا ضد سيطرة الإسلاميين المتشددين في أفغانستان، وسوف تدافع عن أصدقائها في آسيا الوسطى، خاصة طاجيكستان وأوزبكستان ، وتجري الآن مشاورات بين الرؤساء المعنيين، ووعدت روسيا بتقديم العون في حال التطور السلبي للوضع.  

وقال بأنه لا يعتقد أن روسيا مرتبكة في تعاملها مع الحدث الأفغاني، وهي لن تعمد، في حال من الأحوال، إلى إدخال قواتها إلى أفغانستان، ويكفي أن تقدم الدعم لأصدقائها في حال بروز مخاطر راديكالية إسلامية، ولديها من الخبرة ما يكفي لذلك وسلاحها في سوريا برهن عن ذلك "بشكل رائع"!. 

وبشأن إيران والحدث الأفغاني، قال أساتريان بأنها ستقف بوجه الراديكالية على النحو الذي تراه مناسباً، لكن ليس بشكل مباشر، "فهي تعتبر طالبان عدوتها". 

وفي ما يتعلق بتحالف روسيا مع دول الغرب وإيران لمجابهة خطر طالبان، قال بأن هذا الأمر قليل الإحتمال جداً إلا في حال التطور الأشد سوءاً للوضع، وكل دولة ستدافع حينها بنفسها عن مصالحها.

وحول مخاطر الحدث على الشرق الأوسط، رأى أن تجربة تسعينات القرن الماضي، حين كانت توجد ما يسمى إمارة أفغانستان الإسلامية، كانت طالبان تتلقى الدعم من القاعدة وسواها من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي كانت تهدد بالطبع الأمن في الشرق الأوسط العربي. علاقات طالبان مع القاعدة لم تعد وثيقة كما كانت عليه سابقاً، لكن ليس من ضمانات بأن لا تقدم أراضيها للقاعدة، مما يمثل خطراً كبيراً على الشرق الأوسط. ولذلك من المهم جداً لجم الشهية التوسعية لطالبان، و"ما تقوله روسيا تفعله دائماً". 

الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية كيريل سيميونوف كان مقتضباً في رده على سؤال "المدن" عن زيارة وفد طالبان إلى موسكو والموضوعات التي بحثت معه. قال بأنها ليست الزيارة الأولى لطالبان إلى موسكو، وموضوعاتها معروفة: تأكيدات طالبان بأن لا شيء يهدد جيران أفغانستان، وأنها عازمة على محاربة الإتجار بالمخدرات.

الصحافية الروسية المتخصصة بالشؤون الإيرانية في موقع RT الناطق بالروسية يوليا يوزيك كتبت نصاً مطولاً في ردها على أسئلة "المدن". في موجز لردها قالت يوزيك بأن روسيا تحاول بكل جهد المشاركة في التسوية الإفغانية. وتكررت في الأشهر الأخيرة زيارات طالبان إلى موسكو، على الرغم من أن الجماعة تعتبر في روسيا منظمة إرهابية، ويفرض القانون على وسائل الإعلام إلحاق اي ذكر لها بتعبير"منظمة محظورة في روسيا". 

وتشير الكاتبة إلى أن مستشار الأمن القومي الأفغاني حمدالله محب سبق وفد طالبان وزار موسكو في 2 من الشهر الجاري، والتقى مع ممثلي مجلس الأمن القومي الروسي. 

محاولة إنخراط روسيا النشطة في العملية السلمية، كما تشير حركة الوفود الأفغانية، يفرضها عاملان برأي يوزيك: 

  1. المشاركة في تقاسم مناطق النفوذ في أفغانستان بعد إنسحاب الأميركيين. وهذه مسألة طموحات ونفوذ في المنطقة بالنسبة لروسيا، وريثة الإتحاد السوفياتي و"الحرب الإفغانية 1979- 1989".

  2. لكن الأهم لروسيا هو عدم السماح بالتهديد من شمال أفغانستان في آسيا الوسطى. كازاخستان هي بوابة مشرعة على سيبيريا الروسية. وطالبان المخترقة لآسيا الوسطى، وما تعنيه من الإتجار بالمخدرات والإسلاميين والمجموعات المسلحة، هي تهديد مباشر لروسيا.

تحاول روسيا الاتفاق مع طالبان والحصول على وعد منها بعدم تخطي الحدود مع آسيا الوسطى. وترى الكاتبة أن من الصعب حتى مجرد التصور كم من الوقت ستصمد طاجيكستان مثلاً بوجه هجوم طالبان إذا ما قررت التوسع شمالاً. وأوزبكستان، مع أن جيشها أقوى من الطاجيكي، "لكن مع ذلك..."  وماذا سيحدث إذا ما أخذ مقاتلو طالبان بالتسرب إلى قرغيزيا التي لها أكبر دياسبورا في روسيا الوسطى وموسكو؟ وإذا ما تسربوا إلى كازاخستان ومنها الى حوض الفولغا وسيبيريا؟ 

موقف روسيا الرسمي، كما يعبر عنه مسؤول الشؤون الأفغانية في الخارجية زامير كابولوف، يقوم على السعي لتشكيل حكومة إئتلافية بمشاركة الحكومة وطالبان، مما يعني أن روسيا تخشى رسمياً من أن تنتقل السلطة في أفغانستان كلياً إلى طالبان.    

لكن الكاتبة تشكك في حصول تسوية أفغانية. فهي لا تصدق "أن الحكومة الأفغانية  ستقف متفرجة على طالبان وهي تستولي على السلطة. نائب رئيس الجمهورية أمر الله صالح لا يزال يتفاخر على تويتر بعدد قتلى طالبان كل يوم، فكيف يمكن أن نتصور موافقته غداً مع أمثاله على الجلوس في إجتماعات واحدة للحكومة مع هؤلاء الناس ــــــ أصحاب العمائم واللحى والمدافع الرشاشة".

 وما يجعل الكاتبة تشكك أيضاً في إمكانية التسوية الأفغانية هو أنها لا ترى ما الذي سيوقف محاولات طالبان الإستيلاء على السلطة في كابول، "هل ستوقفها أوراق موقعة من المتفاوضين في موسكو أو الدوحة أو إسطنبول؟ مثير للضحك هذا". 

وتقول بأن طالبان قد تسمح للصين أن تشعر بنفسها سيدة المنطقة لمدة ما مقابل تمويل إعمار أفغانستان. لكن الصين "وافدة كما روسيا"، وأكثر اللاعبين الخارجيين تأثيراً في التسوية الأفغانية هما باكستان وإيران. فقد عملت إيران سنوات طويلة على الإتجاه الأفغاني بإشراف فيلق القدس ومخابرات حرس الثورة. وعلى الرغم من التعاون بين إيران وروسيا، إلا أن لطهران طموحاتها الجدية الخاصة  في عودة أفغانستان إلى المسار السلمي تحت حمايتها. ومن المحتمل أن تنقل روسيا قوات عسكرية من سوريا إلى آسيا الوسطى لردع التهديدات. 

الخبيران غيورغي أساتريان وكيريل سيميونوف لا يوافقان على الإستنتاج الأخير للكاتبة بشأن إحتمال نقل روسيا قوات من سوريا إلى آسيا الوسطى. يقول أساتريان ل"المدن" بأنه لا يرى حالياً ضرورة لنقل قوات من سوريا إلى آسيا الوسطى. وفي حال بروز الحاجة إلى ذلك ثمة بروتوكولات منظمة معاهدة الأمن الجماعي بين روسيا ومعظم الجمهوريات السوفياتية السابقة التي تضمن أمن جمهوريات آسيا الوسطى في حال بروز خطر من جانب طالبان. إضافة إلى ذلك تبذل الآن جهود دبلوماسية لضمان هذا الأمن بوجه التهديدات المحتملة من طالبان.

كيريل سيميونوف المقتضب كعادته قال ل"المدن" في رفضه لمقولة نقل القوات من سوريا، بأن لدى روسيا حامية عسكرية في طاجيكستان، ولتعزيزها ثمة قوات داخل روسيا، وليس من ضرورة أبداً لتخفيض الوجود العسكري الروسي في سوريا.

في ردها على الخبيرين، فصلت يوليا يوزيك ل"المدن" مقولتها بنقل القوات من سوريا، وأنهت تفصيلها بالمثل الشعبي الروسي "لنعش ونرى".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها