السبت 2021/07/10

آخر تحديث: 09:46 (بيروت)

الأميركيون يفرون من أفغانستان والعالم يرتجف

السبت 2021/07/10
الأميركيون يفرون من أفغانستان والعالم يرتجف
increase حجم الخط decrease

إنسحاب القوات الأميركية المتسارع من أفغانستان، وإخلاء القواعد والمواقع العسكرية تحت جنح الظلام ومن دون إخطار الجيش الأفغاني بذلك لا يشبه الإنسحاب، بل هو فرار أكبر قوة عسكرية في العالم من ورطة دامت عشرين سنة. دخلت الولايات المتحدة أفغانستان العام 2001 لتأديب طالبان على إيوائها زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إثر هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وها هي تفر الآن كما فرت قبلها الإمبراطورية البريطانية ومن ثم السوفياتية. 

عسكريون أميركيون كثر سوف يكتبون لاحقاً يومياتهم الأفغانية التي ستكشف الكثير من أهوال وأسرار الحرب الأميركية في افغانستان ومآسيها. فقد سبق لعسكري آخر من جيش إمبراطورية أخرى هُزمت في أفغانستان، هو مسؤول وحدة KGB السوفياتية في كابول ليونيد بوغدانوف ( والد النائب الحالي لوزير الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف) أن كتب "دفاتر أفغانية" تحدث فيها ليس عن فظائع المقاتلين الأفغان، بقدر ما تحدث عن فظائع ودموية "نظام الرفاق الأفغان" الذي دخل السوفيات لإنقاذه حينذاك. 

الإنسحاب ـــــ الفرار الأميركي من أفغانستان يكشف عن حجم الثقب الأسود الذي كان يغطيه الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، والذي يُرعب بحجمه العالم أجمع ويجعله يرتعد. العالم كله يحبس أنفاسه الآن بإنتظار ما سيترتب على هذا الإنسحاب الأميركي في أفغانستان نفسها، بعد أن عصيت طالبان على التأديب الأميركي، وكيف ستجد الدولة الإسلامية والقاعدة ومشتقاتهما مرتعا لها في أفغانستان طالبان. وتتخطى الأسئلة أفغانستان نفسها إلى دول آسيا الوسطى الروسية السابقة، وإلى الشرق الأوسط بكل دوله بلا إستثناء، وما إن كانت الحرب على الإرهاب في طورها الجديد ستجمع إئتلافات وتحالفات جديدة تجمع الغرب والصين وروسيا وسواها، كما سبق أن كان في المراحل الأولى للحرب الأميركية في أفغانستان. 

كان عنوان أحد نصوص وكالة نوفوستي الكثيرة هذه الأيام عن الحدث الأفغاني معبراً جداً عن حال العالم اليوم أمام ما يشهده في أفغانستان. فقد كتبت في 23 الشهر المنصرم نصاً بعنوان "الأميركيون ينسحبون، العالم سوف يرتعد قريباً، ما الذي بدأ في أفغانستان". قالت الوكالة بأن طالبان الذين لم تتمكن الولايات المتحدة من تحييدهم بعملياتها خلال عشرين عاماً، ينتقلون الآن إلى الهجوم على كافة الجبهات. المنظمة المتطرفة تسيطر الآن على جزء كبير من البلاد وتمدد نفوذها بسرعة إلى البلدان المجاورة. الرئيس الأميركي قال بأنه لن يكون هناك تسرع في الإنسحاب، وهدد طالبان برد قاس إذا حاولت زعزعة الوضع في البلاد، لكن المتطرفين لم يخيفهم التهديد، بل هم يقومون منذ  أسابيع بالهجوم على مواقع القوات الحكومية ويوسعون العمليات العسكرية على الجزء الأكبر من البلاد. 

القوات الرسمية تقوم أيضاً بعمليات هجومية، لكنها تبقى نقطة في بحر ما تقوم به طالبان من هجمات. ومن الواضح أن كابول لن تستطيع القيام بالكثير في مواجهة جحافل المسلحين من دون دعم القوات الأجنبية. 

وتقول الوكالة أنه بعد خروج القوات السوفياتية أصبحت أفغانستان المنتج الرئيسي للهيرويين في العالم. أما خروج القوات الأميركية فيهدد بمشكلة أخرى تتمثل في الإنتشار المتفجر للإرهاب في الدول المجاورة. وطالبان التي تعتبر معتدلة في دوائر المتطرفين، أقامت جحيم شريعة على الأراضي التي تسيطر عليها، حيث يشمل الحظر بديهيات كثيرة في الحياة اليومية للناس: التلفزيون، الموسيقى والأدوات الموسيقية، الفن التشكيلي، الكحول، أجهزة الكمبيوتر، الشطرنج، الأحذية البيضاء وسواها الكثير، بما فيه نسف النصب والتماثيل غير الإسلامية. 

ووجدت الوكالة تشابهاً كبيراً بين ما يجري الآن في أفغانستان وما جرى في سوريا في بداية العقد الحالي، حيث إحتل مقاتلو الدولة الإسلامية خلال بضع سنوات أكثر من نصف مساحة سوريا وأطلقوا تفرعاتهم في الدول المجاورة. وينشر مقاتلو طالبان وسط جنود الجيش الرسمي الدعوة إلى عالمهم المتوحش  ويدعونهم للإنضمام إليهم. وتجد دعواتهم صداها لدى الجنود الأفغان، حيث تنتقل إلى جانبهم وحدات عسكرية كاملة. ورغم تأكيدات الحكومة الأفغانية بأنها ستسترد المناطق والمواقع التي إحتلتها طالبان في الفترة الأخيرة، إلا أنها لا تحقق في الواقع نجاحات جدية.

في الولايات المتحدة يدركون عواقب إنسحاب قواتهم من أفغانستان، ويعرفون جيداً أن إستيلاء المتطرفين على السلطة هي مسألة وقت فقط. وتقول الوكالة أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قال أمام إحدى لجان مجلس النواب أن المنظمات الإرهابية الدولية في أفغانستان تحتاج لسنتين تقريباً لإستعادة قوتها.

وتشير الوكالة إلى أن تزايد التهديدات في المنطقة قد تم بحثه في قمة بايدن بوتين، وقال بايدن بعد القمة أن بوتين أبدى إستعداده لتقديم الدعم في إستعادة الأمن في أفغانستان. وسبق للإدارة الأميركية أن أعلنت مراراً  عن عزمها تفويض المسألة الأفغانية لبلدان أخرى، ودعا الرئيس الأميركي في ربيع هذه السنة سلطات باكستان وروسيا والصين والهند وتركيا إلى تقديم الدعم إلى كابول. 

هذا القلق العميق الذي تعبر عنه الوكالة الروسية الرسمية والخوف من تمدد طالبان إلى داخل الجمهوريات السوفياتية السابقة، لا يتناسب البتة مع سلوك روسيا في الفترة الأخيرة حيال الصراع الأفغاني. فبعد أن كانت بين الدول المؤيدة للدخول الأميركي إلى افغانستان، عادت واتخذت في السنوات الأخيرة موقفاً مناهضاً للوجود العسكري الأميركي في هذه الدولة. وقد بلغ الأمر حداً أن تحدثت صحيفة النيويورك تايمز في حزيران/يونيو العام المنصرم عن وعود روسية سرية لمقاتلي طالبان بجوائز مالية لقاء قتل عسكريين أميركيين. وحرصت روسيا منذ العام 2018 على إستضافة وفود من المكتب السياسي لمنظمة طالبان في موسكو، وكان آخرها منذ يومين في 8 من الشهر الجاري، حيث وصل وفد من أربعة أعضاء في طالبان برئاسة الشيخ شهاب الدين ديلاوير. يقيم الوفد مدة يومين في موسكو، ولم تذكر تاس من سيلتقي من المسؤولين الروس، لكن سبق لوزير الخارجية لافروف أن إنضم سراً إلى الجانب الروسي المفاوض، على قول BBC الناطقة بالروسية في نص خصصته لاستعراض زيارة وفود طالبان إلى موسكو. وحين سئل عن زيارة الوفد الأخير وما إن كان يسيئ ذلك إلى صورة روسيا، نفى أن يكون في اللقاء مع طالبان "ما يسيئ إلى صورة روسيا".

كان يمكن تفسير إصرار موسكو على دعواتها المتكررة لوفود المكتب السياسي لحركة طالبان زيارة موسكو بحرصها على نهجها في الإبقاء على علاقات جيدة مع طرفي أي نزاع دون الإنحياز لأي منهما أو الإنخراط في النزاع نفسه. وتعتبر نهجها هذا مقاربة براغماتية تتيح لها فرصة لعب دور الوسيط في أي نزاع، وهو ما لا يتوفر لأي طرف دولي آخر من خارج المنطقة. وعلى الرغم من أن هذا النهج ليس سوى ستار لتغطية الفرق الهائل بين إمكانياتها المادية وطموحاتها لمكانة دولة عظمى إلى جانب الدول العظمى التي تتيح لها إمكانياتها الإقتصادية والمادية تبوء هذه المكانة، تصر روسيا على براغماتية هذا النهج وترفض رفضاً  قاطعاً مقولة تغطية عجزها المادي عن تبوء مرتبة الدولة العظمى.  

لكن في جميع الأحوال، لم تكن روسيا لتفوت مثل هذه الفرصة السانحة لتسجيل نقاط على خصمها اللدود الأميركي على المسرح العالمي، كما لا تنسى أن تشير إلى أن الأميركيين أنفسهم يفاوضون طالبان، في إشارة إلى مفاوضات الدوحة التي أسفرت عن الإتفاق على إنهاء خروج القوات الأميركية والحليفة في الأول من أيار/مايو المنصرم. لكن ما إن أعلن الرئيس الأميركي في نيسان/أبريل المنصرم عن ضرورة إنجاز الإنسحاب من أفغانستان في 11 أيلول/سبتمبر القادم في الذكرى العشرين لهجمات القاعدة في مانهاتن وواشنطن، حتى أعلنت طالبان خروجها من الإتفاقية لإخلال واشنطن بشروطها. وعلى الرغم من أن بايدن عاد قبل يومين وقدم موعد إنجاز الإنسحاب إلى 31 آب/أغسطس القادم، إلا أن هذا لم يعد كافياً لتعود طالبان إلى إتفاق الدوحة وتوقف زحفها على مواقع السلطة في أفغانستان، وتجعل العالم يحبس أنفاسه ويرتجف من عودة إمساكها بأفغانستان وجعلها من جديد مرتعاً للتطرف والإرهاب؟

  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها