الأربعاء 2021/06/30

آخر تحديث: 07:05 (بيروت)

"التحالف العربي": حلول اقتصادية لمعضلات السياسة

الأربعاء 2021/06/30
"التحالف العربي": حلول اقتصادية لمعضلات السياسة
الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس حكومته مصطفى الكاظمي مستقبلين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله بن الحسين (غيتي)
increase حجم الخط decrease
وصل الرئيس المصري إلى بغداد، الأحد الماضي، بعد غياب دام ثلاثين عاماً. وكذا العاهل الأردني لحضور اللقاء نفسه. وتشير وكالات الأنباء العالمية، إلى القمة الثلاثية بين العراق والأردن ومصر، بـ"التحالف العربي"، ربما في مقارنة مع تحالفات إقليمية أخرى، تضم شركاء غير عرب، إيران في محورها، وتركيا أيضاً بتحالفاتها الأقل صلابة وعمقاً، وبالطبع إسرائيل التي أضحت في القلب من تحالف شبه معلن. فهذا هو التحالف الوحيد، الحامل لصفة العروبة بشكل صرف.

في آب/أغسطس من العام الماضي، وأثناء زيارة إلي الولايات المتحدة، أشار رئيس الوزراء العراقي إلى تحالف "الشام الجديد"، واصفاً إياه بأنه "مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي"، ولا يصعب فهم الإشارة الأوروبية بأنها استلهام لمشروع الاتحاد الأوروبي، كمثال لطالما تمت الإحالة إليه تكراراً في الماضي، لتحقيق طموحات الوحدة العربية بشكل تدريجي، بعد فشلها سياسياً. فـ"الشام الجديد" ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل مشروع تعاون اقتصادي يقود في المستقبل إلى صورة من صور التكامل السياسي، أو على الأقل يحمل في طياته أبعاداً سياسية.

الغايات السياسية في التعاون المصري-العراقي-الأردني، لا يصعب تبيّنها. فخط الأنابيب المخطط مدّه من العراق إلى مصر عبر الأراضي الأردنية، كوسيلة لضخ النفط العراقي إلى البلدين في مقابل الكهرباء، يعني تخفيفاً لاعتماد شبكة الكهرباء العراقية على إيران، وفي الوقت نفسه يمنح مصر تسهيلات كبيرة في وارداتها النفطية، من دون الحاجة إلى طلب المساعدة الخليجية، خصوصاً مع تذبذب العلاقات بين القاهرة والرياض. أما الأردن المتراجعة علاقاته بدول الخليج من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى، فحماس حكومته للمشروع يبدو بديهياً.

يأتي الكاظمي، الذي ينعته خصومه بأنه رجل الولايات المتحدة في العراق، بتفويض ضمني من حشود "احتجاجات تشرين"، لفك الارتباط مع إيران. لكن وراء "التحالف العربي" أهدافاً براغماتية ربما تجري برضا طهران. فالعقوبات المفروضة على إيران، تجبر الحكومة العراقية على البحث عن شراكات اقتصادية بديلة، حتى لا تقع بغداد تحت مظلة العقوبات هي الأخرى. أما عن انتقاء هذه البدائل، فمصر والأردن لم يتورطا في خصومة مباشرة مع المحور الإيراني، ولا يفترض أن تقارباً عراقياً معهما سيثير حفيظة طهران، في الأقل على المدى القصير.

ومن جهة القاهرة، فالسيسي يستعيد دور الدبلوماسية المصرية التقليدي، كحليف للولايات المتحدة في المنطقة، ووسيط تربطه علاقات الحد الأدنى مع الجميع، بشكل يضمن المصداقية لكن من دون تأثير كبير. فإن كانت الوساطة الأخيرة في غزة، مع نجاحها المبدئي، قد أثبتت محدودية أدواتها، فإن القاهرة تثبت قدرتها على لعب أدوار أوسع وأبعد برعاية أميركية، وبشراكة ربما تظل مقبولة من خصوم الولايات المتحدة.

ومع هذا تظل فرص "التحالف العربي" في النجاح محدودة. فمحاولة التعامل مع التناحر الإقليمي، والمعضلات السياسية في بلد مثل العراق، عبر حلول اقتصادية، أو تكنوقراطية كما طالبت "احتجاجات تشرين" العراقية، محكوم عليها بالفشل مسبقاً. ذلك أن النفوذ الإيراني في بغداد، لا تحكمه توريدات الغاز إلى محطات الكهرباء العراقية، بل تواجد مليشيات مسلحة، وطبقة سياسية حليفة تم بناءها وتنظيمها على مدى عقود، بالإضافة إلى الوزن الأيديولوجي والروحي للجمهورية الإسلامية. ولا يحظى مشروع التعاون الثلاثي بأي من تلك الدعائم، باستثناء الإشارة العروبية، التي لا تثير سوى ذكريات خافتة، لها تأثير نوستاليجي بأبعاد أيديولوجية لا تذكر.

يبقى ربط رئيس الوزراء العراقي للمشروع بـ"النسق الأوروبي"، الأكثر دلالة. أوهام الأسواق المفتوحة والاقتصاديات المتكاملة وخطوط النقل والمشاريع التقنية الكبرى، كطريق لفك أزمات السياسية أو محوها بالكامل، يصدقها الجميع في منطقتنا، المحتجون قبل الأنظمة المراد إسقاطها. يصدقونها بالرغم من فشلها في كل مرة. وتظل الأزمة في منطقتنا سياسية، وفي حاجة إلى حلول سياسية، كما كانت دائماً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها