الأحد 2021/06/27

آخر تحديث: 16:48 (بيروت)

عن الفيدرالية..بما هي صرخة يأس مسيحية

الأحد 2021/06/27
عن الفيدرالية..بما هي صرخة يأس مسيحية
© Getty
increase حجم الخط decrease

مجدداً، لا بأس من الهروب الى الامام ، والقفز في مجهول الفيدرالية الذي يطرح الآن في الوسط السياسي المسيحي، كأحد المخارج من الأزمة الراهنة. هو في أقل تقدير طرح يتحدى المسلمين، الصامتين حتى الآن، ويحفزهم على تشغيل مخيلتهم المعطلة وطرح ما عندهم من أفكار  بعيدة المدى لإعادة بناء الدولة والمجتمع، والتأمل في مسألة الوحدة الوطنية الهشة، حتى ولو بدت لهم أنها اليوم من خارج السياق.

ليست فكرة الفيدرالية حرام. ولا هي رديف الحرب الاهلية، أو نتاج لها. فهي متداولة من دون سلاح، ومن دون عنف. وهي نقيضهما الأهم. بخلاف ما كان عليه الوضع في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، عندما كانت الفيدرالية خياراً فعلياً ل"الشعب المسيحي"، الذي كان يواجه مخاطر ومعضلات مصيرية، من جانب "الشعوب" المسلمة، اللبنانية والفلسطينية والسورية على التوالي.

الحكم القاطع بأن تجديد الفكرة ونبش الغبار عن الخرائط الملونة،السرية منها والعلنية، تقسيمٌ وتجزئةٌ ليس إلا، أو على الأقل عودة الى الحرب الاهلية التي غذّتها، ولم تبارح عقول أمرائها المقيمين على رأس السلطة الحالية، ظالمٌ وقاسٍ، ومتسرعٍ جدا. والأهم من ذلك أنه لا يحسم ما إذا كانت الفكرة موجهة في الأصل الى القيادات السياسية المسيحية والمؤسسات الكنسية التقليدية، التي فقدت في السنوات القليلة الماضية الكثير من شعبيتها، أم الى الشركاء المسلمين في الوطن، الذين بات الجمهور المسيحي العادي يعتقد أنهم يغردون خارج الوطن وخارج الشراكة.

أما الزعم بأن الفكرة تهدف الى دعم التيارات والاحزاب السياسية المسيحية في نزاعها الحالي مع نظيرتها المسلمة، حول الحقوق والصلاحيات والمناصفة والحصص، فهي بحاجة الى الكثير من التدقيق، سيما وأن مروجي الفكرة هم في غالبيتهم من خارج الوسط السياسي المسيحي ومن خارج الكنيسة، وإن كانوا يسعون الى إكتساب شرعية هذين الوسطين وبركتهما، وربما التحول لاحقاً الى تيار سياسي مستقل، يحمل ربما صفة التيار الفيدرالي، على ما في جوهر هذا الاسم من إستعجال، ويكون له نواب ووزراء في الإدارة الفيدرالية. ربما.  

أصل الفكرة قديم، قِدم الكيان اللبناني، الذي أنشىء على فيدرالية معلنة ومشرّعة ومقننة بين الطوائف، لم تنجح في إنتاج دولة ولا في توحيد مجتمع ولا حتى في صناعة أمل، ولا طبعا في ضمن الأمن والاستقرار الداخلي لأكثر  من عشر سنوات متواصلة على أبعد تقدير من أصل المئة سنة الماضية من عمر الكيان. إنفجرت تلك الفيدرالية مرات عديدة قبل الحرب الاهلية وخلالها،  وما زال دوي الانفجار الحالي يصم الآذان. وهو يعلن اليأس من التعايش والمناصفة والخوف من المثالثة، ويطلب كما هو واضح حتى الآن التفاوض على أسس تقاسم الجغرافيا والسلطة والإدارة، من دون أن يفصح عما إذا كان مطلبه هذا يمكن أن يستجاب بواسطة التيار العوني أو القوات اللبنانية أو سواهما.

الأصل ان يتم التعامل مع الفكرة، كصرخة إحتجاج مسيحية مدوية إزاء الازمة الوجودية الراهنة، وأن يتم إعتبارها أساساً لمفاوضات طائفية جديدة، طالما تعذرت الأسس البديلة، المجربة حتى الخراب المتكرر. المهم أن يتم تجنب اللغة العنصرية المرافقة للخرائط والنصوص، لأنها تؤذي المفاوض المسيحي بدل أن تخدمه.. والأهم أن يمتلك ذلك المفاوض ثقافة الحاضر، لا أن يستمد أدواته وشعاراته وشروطه من الماضي، وأن يعرف أنه لم يعد هناك مسلمون في لبنان، بل سنة وشيعة، وأن يميز بينهم، وأن يدرك من هم الاشد إيماناً وولاء لمؤسساتهم الدينية والأكثر إلتزاماً وإنضباطاً وخضوعاً لمشايخهم.

المرجح أنه لن يكون متاحاً إختيار المفاوض او المفاوضيَن المسلميَن، فهذه عملية مرهونة بشكل الانهيار الآتي من الأزمة الوطنية الراهنة، وأي جيل سياسي جديد سيظهر، هل هم الورثة، أم ورثة الورثة. والمؤكد أيضاً أنه لن يكون وارداً البحث في درجات العمالة للخارج، ودرجات المناعة من التدخل الخارجي، لأنه في هذه الحالة لن تنال أي طائفة البراءة ولا الاحكام المخففة، ولا العفو بفعل مرور الزمن.  

التفكير بالتفاوض واجب، بل هو ضروري، إن لم يكن اليوم، ففي المستقبل القريب، عندما تتلاشى كلياً صور لبنان المئة سنة الماضية، بكل ما فيها من زيف وإدعاء.. بينها فكرة الفيدرالية نفسها!   

  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها