الأربعاء 2021/06/23

آخر تحديث: 07:12 (بيروت)

أميركا لم تتخلّ عن إسرائيل بعد

الأربعاء 2021/06/23
أميركا لم تتخلّ عن إسرائيل بعد
© Getty
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي يسجل المشهد الإعلامي والسياسي الأميركي تغيراً بالفعل في ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين كما يتضح من الدعم العام الأوسع لحقوق للفلسطينيين، وأصوات وسائل الإعلام الأكثر انتشاراً التي تنتقد الوحشية الإسرائيلية في غزة، تقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي ينص بشكل قاطع على أن إسرائيل تلتزم الجريمة الدولية المتمثلة في الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وزيادة الأصوات اليهودية-الأميركية المنتقدة لإسرائيل، حديث العديد من أعضاء الكونغرس بوضوح عن الحاجة إلى تغيير السياسة الأميركية تجاه الشعب الفلسطيني.. لا يزال الوقت مبكراً جداً للاحتفال أو الإعلان عن أن فلسطين  ستصبح حرة قريباً.
يتوقف الكثير على الظروف التي لا تزال متقلبة في المجالات المترابطة لصنع السياسات والتشريعات والسياسات الانتخابية والتغطية الإعلامية في الولايات المتحدة. وكما تُظهر التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي هنأ الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة اليميني المتطرف نفتالي بينيت، فإن الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي غير المشروط من الولايات المتحدة لإسرائيل لا يزال قوياً كما كان دائماً.
لعقود، كان مؤيدو حقوق الفلسطينيين يأملون بشدة في حدوث تغيير دراماتيكي في الرأي العام ينبع من إدراك أن إسرائيل تستخدم أموال الضرائب الأميركية والغطاء الدبلوماسي من واشنطن، لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. في حين، أن هذا الوعي العام قد نما بين الأميركيين، إلى حد كبير نتيجة للدعم الواضح مع حركة "Black Lives Matter" وحركات الاحتجاج للأميركيين الأصليين في السنوات الخمس الماضية، ناهيك عن الخطابات والمناقشات المتزايدة والمتنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي حول حقوق الفلسطينيين.
 في المقابل، دفعت جهود اللوبي المؤيد لإسرائيل لتصوير أي دعم لفلسطين على أنه معادٍ للسامية، بعض المشاهير الأميركيين مثل الممثل مارك روفالو اضطر لسحب بعض تصريحاته الداعمة لحقوق الفلسطينيين، كما نُشرت في العديد من القنوات الأميركية قصص مقلقة حول الارتفاع المفاجئ في معاداة السامية، مما يشير إلى أن دعم الفلسطينيين أصبح أمراً خطيراً وسيؤدي تلقائياً إلى هجمات على اليهود الأميركيين.
لم يكن الانقسام بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أكبر من أي وقت مضى بشأن مجموعة من القضايا، من الرعاية الصحية إلى البيئة والهجرة. الآن الهوة كبيرة بين الطرفين حول قضية الحقوق الفلسطينية.
قبل 12 عاماً فقط، وفقاً لمؤسسة "غالوب"، أيّد 33 في المئة من الديمقراطيين المزيد من الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها. وبحلول العام 2018، ارتفع هذا الدعم إلى 43 في المئة. وقبل ثلاثة أشهر فقط، ارتفعت النسبة إلى 53 في المئة. وعلى العكس من ذلك، فإن الرأي الجمهوري لم يتزحزح، حيث أن 17 في المئة من الجمهوريين يؤيدون المزيد من الضغط الأميركي على إسرائيل، وهي إحصائية لم تتغير منذ 15 عاماً.
ومع ذلك، يظهر الآن صدع دراماتيكي مماثل داخل الحزب الديمقراطي نفسه بشأن قضية فلسطين على وجه التحديد. فقد قامت القيادة المعتدلة (النائبة نانسي بيلوسي والسناتور تشاك شومر) بتوبيخ مجموعة من النواب التقدميين (آلانا بريسلي وكوري بوش ورشيدة طليب وإلهان عمر وألكساندريا أوكاسيو كورتيز) لانتقادهم الصريح للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحقوق الفلسطينيين. وهو ما يمكن قراءته بسهولة على أن الديمقراطيين كبار السن، البيض من الطبقة الوسطى العليا يقومون بتكميم أفواه شباب الطبقة العاملة الديمقراطيين المتنوعين عرقياً، في وقت يواجه فيه الحزب الديمقراطي صعوبة بالغة في عرقلة الجهود الجمهورية المتضافرة للحد من حقوق التصويت.
من وجهة نظر الحزب ككل، فإن الوحدة هي الأولوية؛ من وجهة النظر المباشرة للتقدميين، هذا ليس الوقت المناسب للتغلب على دعم الأشخاص المضطهدين والمهمشين في الداخل والخارج لأن حركة Black Lives Matter تظل القلب النابض للإصلاح والحركات الاحتجاجية في الولايات المتحدة، والقناة الأكثر ترجيحاً لجيل جديد من الأميركيين للانضمام إلى الحزب.
في الانتخابات الأميركية الأخيرة صوت أكثر من 70 مليون أميركي لصالح دونالد ترامب، حيث لا يزال أنصار ترامب المتشددون يصرون، رغم الأدلة، على أنه تم تزوير الانتخابات، حتى أن بعض الجماعات الهامشية تدعي أن ترامب سيستعيد الحكم في البيت الأبيض هذا الصيف.
في حين أن الديمقراطيين يسيطرون حالياً على البيت الأبيض ومجلس النواب، ولديهم أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، فإنه ليس من الممكن فحسب، بل إنه محتمل أيضاً أن يخسر الديمقراطيون مقاعد للجمهوريين في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. بينما يفقدون أقليتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ تماماً.
في المقابل لم تكن إدارة جو بايدن حريصة على الإطلاق على الانخراط في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في الأيام المئة الأولى من توليه للحكم. يضع بايدن والزعماء الديمقراطيون في مجلسي النواب والشيوخ أنظارهم على قضايا السياسة الداخلية، التي يخشى الديمقراطيون المعتدلون أن تتعرض للخطر بسبب التصاعد المفاجئ للاهتمام العام بشأن حقوق الفلسطينيين. تغيير المسار بشأن الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل يهدد مختلف أنواع التحالفات في "الكابيتول هيل" التي يرى بايدن أنها ضرورية لتحقيق أهدافه.
لذلك، فإن الديمقراطيين في مأزق عميق الجذور على صعيد الاهتمام بالسياسة الخارجية والداخلية. وينفد الوقت بالنسبة لبايدن لدفع أجندته إلى الأمام وجني الثمار السياسية للاستثمار في البنية التحتية للولايات المتحدة، وخلق فرص العمل، ووقف التأثير المدمر لجائحة كورونا، وتجميع أجزاء صفقة جديدة توافق المعايير البيئية لإفادة كل من البيئة والاقتصاد في العقد المقبل.
ويمتلك الحزب الجمهوري مع اقتراب انتخابات 2022 سلاحاً قوياً وهو الدعم الواسع وغير النقدي لإسرائيل بين الناخبين الإنجيليين المسيحيين من الريف والبيض والطبقة الوسطى والعاملة. وهؤلاء هم أنفسهم الذين يؤيدون دونالد ترامب وينظرون إلى نائبة مينيسوتا إلهان عمر كإرهابية مسلمة ونائبة نيويورك ألكساندريا أوكاسيو كورتيز على أنها شيوعية تهذي. تأجيج مشاعر وغضب هذه الشريحة الضخمة من الجمهور الأميركي من خلال تصوير الديمقراطيين الحاليين في الكونغرس على أنهم معادون للسامية لانتقادهم إسرائيل ولو بشكل معتدل لن يكون من الصعب القيام به.
بالنسبة لأولئك الذين يدعون بحماس أن فلسطين ستكون حرة قريباً، أقول: "نحن لسنا قريبين حتى للخروج من الغابة بعد".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها