الجمعة 2021/06/18

آخر تحديث: 18:51 (بيروت)

إنتخابات الجزائر..كمؤشر عربي

الجمعة 2021/06/18
إنتخابات الجزائر..كمؤشر عربي
increase حجم الخط decrease

الانتخابات التشريعية الجزائرية ونتائجها المخيبة للآمال (فوز حزب جبهة التحرير الحاكم منذ الاستقلال)، مؤشر مهم لما ينتظر الشعوب العربية التي شهدت الموجة الثانية من انتفاضات أو احتجاجات الربيع العربي، ومنها لبنان. ذاك أن الأنظمة العربية غالباً هي افعى برؤوس عديدة، ولا تعني الإطاحة برئيس أو حتى فريق حاكم بأسره، نهاية النظام (أكان عسكرياً أو شبكة مصالح ومؤسسات ترتبط بعصبية الطائفة أو الحزب)، بل هي غالباً مُناسبة لإعادة التموضع تمهيداً للإمساك بالبلاد مجدداً. هذا ينسحب على الجزائر كما ظهر في انتخاباتها التشريعية الأخيرة مع فوز حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم (منذ الاستقلال)، وأيضاً على السودان حيث يُحافظ العسكر على نفوذهم الواسع على حساب الحكومة المدنية (ويُقوض محاولاتها الخروج من الأزمة الاقتصادية المستفحلة)، وإلى حد ما على لبنان، أحد بلدان الموجة الثانية حيث تُمسك قوى السلطة الطائفية والميليشيوية بزمام الأمور وكأن شيئاً لم يحدث في 17 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019. 

والجزائر تحديداً، إلى جانب السودان،ّ كانت من الأمثلة الناجحة في الموجة الثانية من الثورات العربية، إذ تمكنت من إطاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد اعلان نيته الترشح لولاية خامسة، رغم أن الرجل كان في حالة صحية يُرثى لها منذ اصابته بسكتة دماغية عام 2013 (كان كل ظهور للرئيس الجزائري، يُسبب إحراجاً للشعب ويُمثّل نوعاً من الإذلال يُمارسه النظام بحق الناس).

لكن الانتفاضة التي انطلقت في 22 شباط (فبراير) ذلك العام، نجحت ليس باستقالة بوتفليقة فحسب، بل أيضاً في الدفع باتجاه انتخابات رئاسية نهاية عام 2019، فاز فيها عبدالمجيد تبون. لكن تبون، رغم ترشحه كمستقل، هو من أبناء النظام، وكان لفترة وجيزة رئيساً للوزراء في عهد الرئيس بوتفليقة، ومن أعضاء الحزب الحاكم (حزب جبهة التحرير الوطني). الانتخابات أعادت انتاج النظام.

عملياً، يُمثل تبون عملية تصحيح للنظام تُعيد توطيد سلطته وكأن انتفاضة لم تحدث. وهي تحمل إدعاء ضمنياً بأن عهد بوتفليقة كان استثناء للقاعدة، وليس أحد أعراض المرض المزمن للنظام. وبالتالي فإن خروج بوتفليقة وبعض الإجراءات الموضعية تُغني عن التغيير المطلوب، أكان تحجيم دور الجنرالات في السياسة، أو توسيع اطار المشاركة ليشمل فئتين مغيبتين اليوم عن المشهد السياسي الجزائري: المرأة والشباب. وتبون كان شدد في خطاب ألقاه في 18 شباط (فبراير) الماضي وأعلن فيه حل البرلمان واجراء انتخابات تشريعية، على "ضرورة فتح الأبواب للشباب، كي يكون للشّباب وزنه السياسي يجب أن يقتحم المؤسسات السياسية". وترافقت هذه الوعود الكبرى بالتغيير على مستوى تمثيل الشباب بالحديث عن تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتعزيز "صلاحيات البرلمان"، على أن تشهد البلاد "انتخابات خالية من المال الفاسد وغير الفاسد". وكلام الرئيس عن الانتخابات الخالية من المال، والحديث عن "اقتحام الشباب" ميدان السياسة، والافراج عن معتقلين من حراك عام 2019، كله أوحى بأن الانتخابات التشريعية ستُمثل جزءاً من عملية الانتقال الى "جزائر جديدة". وهذا لم يحدث بالتأكيد، إذ بقيت وجوه من الحراك في السجن، وخابت آمال كثيرة كما ظهر في نسبة المشاركة المتدنية (السلطات تتحدث عن مشاركة 30.2 بالمئة، فيما بعض التقارير يشير الى 12 بالمئة، وكلاهما نسبتان متدنيتان). الغالبية الساحقة من الفائزين بالانتخابات التشريعية (70% تقريباً)، تنتمي الى فئة الأربعين عاماً فما فوق.

تبون لم ير حرجاً في القول إن "نسبة المشاركة لا تهمني"، ذاك أن العملية برمتها هي محاولة تصحيح مسار السلطة سابقاً من خلال بعض التغييرات في الوجوه، مع إبقاء الحزب الحاكم في موقعه، بالشراكة طبعاً مع الجيش الجزائري.

في خلاصة الأمر، لا تغيير. لدى النظام ليونة كافية لتبديل وجوه وأدوار واجراء انتخابات وتعديلات دستورية، لكن ذلك لن يطال بُنية الحكم. هذه أقوى من أن تطير مع انتفاضة شعبية أو عملية اقتراع صورية. على قوى التغيير، أن تبحث عن عدّة عمل أخرى أكثر  نجاحاً وصلابة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها