الأحد 2021/05/30

آخر تحديث: 08:21 (بيروت)

بشار بعد الانتخابات

الأحد 2021/05/30
بشار بعد الانتخابات
© Getty
increase حجم الخط decrease

من المحتمل أن الأسد الذي "ضمن" فوزه بولاية جديدة من سبع سنوات، ينشغل ذهنه الآن بالعام 2028 موعد نهايتها. فعلى المرء، في كل الأحوال، أن يفكر بمستقبله. وربما هو نادم الآن على فقدانه لبعد النظر في 2012، حين اضطر لصياغة دستور "إصلاحي" ألغى فيه الدور القيادي لحزب البعث، واقتصرت فترة الرئاسة فيه على ولايتين فقط من سبع سنوات، وبات عليه أن يتنافس مع مرشحين آخرين في الانتخابات، وغير ذلك من الشروط المذلة. فقد كان مأزوماً، في ذلك الوقت، تحت ضغط الثورة الشعبية السلمية منها وتلك التي تسلحت، ومحاصراً بفقدان الشرعية من الدول القوية، فأراد أن يمتص شيئاً من تلك الضغوط بإصدار دستور جديد ينتقص بعض الشيء، وإن كان على الورق فقط، من "كمال" الدستور الذي وضعه أبوه في العام 1973، من حيث تأبيد الحاكم وإطلاق صلاحياته اللامحدودة. 

صحيح أنه الآن في وضع أفضل بما لا يقاس مما كان عليه في العام 2012، وها هو يتحدى البيان الخماسي الذي أصدرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا رفضاً لانتخاباته "غير العادلة وغير النزيهة"، فيقول من مدينة دوما الجريحة حيث أدلى، وزوجته، بصوتيهما إن موقف تلك الدول يعني الصفر، لكنه مضطر الآن للتفكير في مستقبله السياسي قبل حلول "الاستحقاق الانتخابي" القادم. فسبع سنوات هي فترة قصيرة جداً ستمضي بلمح البصر، كحال السبعات الثلاث التي انقضت، مهما اشتدت دوامات الحراك السياسي في سوريا وحولها وفي العالم. ولن ينعم بشار بالاستقرار ما دام سيف قرار مجلس الأمن 2254 مسلطاً على رقبته، حتى لو كان مركوناً على الرف كحال قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإسرائيل، وما دام الالتفاف عليه يتطلب "تنازلات مؤلمة" منه، وهو غير مستعد لتقديم أي منها، كالانخراط الجدي، مثلاً، في مناقشات اللجنة الدستورية.

ولا يقتصر سبب قلق بشار المفترض هذا بشأن استنفاده لفرص الترشح في العام 2028، على مجرد البقاء في الحكم، بل ثمة رائز أعمق يتعلق بالرغبة في تجاوز الرقم القياسي لأبيه، أي ثلاثين عاماً متصلة في الحكم، لم تنكسر إلا بموته. نخمن أن لدى بشار عقداً دفينة تتعلق بتجاوز كل من أبيه وأخيه باسل. أما وأن هذا الأخير قد مات مبكراً، قبل وراثة كرسي الرئاسة، يبقى التحدي الأكبر هو تجاوز أبيه. والحال أن الظروف ساعدته فتجاوز أباه، عملياً، في الوحشية والتدمير، بصرف النظر عن الثمن الباهظ الذي دفعه حين بات يقف في وضعية الاستعداد أمام فلاديمير بوتين وسيرغي شويغو، ولا نعرف كيف كان يقف أمام قاسم سليماني قبل اغتياله. لكنه لن يستطيع حتى تحقيق الرقم القياسي لأبيه ما لم يعدل الدستور الحالي في بند عدد الولايات، على غرار البند المتعلق بشرط العمر في دستور 1973، حين تم تعديله، على عجل، في تموز العام 2000، ليخفض من 40 عاماً إلى 34 الذي هو بالضبط عمر بشار آنذاك. وربما كان الأقسى على السوريين من هذا التعديل الفضائحي، هو التعديل التالي الذي أعاد شرط سن الأربعين مرة أخرى بعد انتهاء عملية التوريث، في إهانة لا شبيه لها للمحكومين.

وإذا كان هذا التعديل المزدوج للدستور قد عنى أن الدكتاتور أكبر من الدستور، ويستطيع أن يخرقه حينما يشاء، من غير أن يقتصر الأمر على تكييفه ليناسب مواصفات شخص محدد، فقد كان موضوع "التعديل" الثاني هو المجتمع السوري نفسه، حين قرر النظام أن يغير الشعب في مواجهة شعار "الشعب يريد تغيير النظام"، فعمل على تحقيق ذلك بكامل النشاط، من قتل مئات الآلاف واعتقال مثلهم، وتشريد 15 مليوناً داخل سوريا وخارجها، إضافة إلى التغييرات الديموغرافية الموضعية، بواسطة الباصات الخضراء الشهيرة، في عدد من المناطق المأهولة بالسكان كحلب وحمص ودوما والقصير والزبداني وغيرها، ونهب بيوت المهجرين قسراً ومحلاتهم التجارية المهجورة.

وكما نقول في حل المسائل الرياضية "مع بقاء الشروط الأخرى كما هي" للتركيز على متغير وحيد، يمكننا القول: إذا بقيت التوازنات الحالية في سوريا على حالها، وإذا بقيت المواقف الدولية كما هي اليوم من غير تعديل، فسوف يتعين على الأسد أن يجري تعديلاً دستورياً بشأن عدد الولايات المسموحة، ليتمكن من تحطيم الرقم القياسي لأبيه في الحكم.

لكن بشاراً يعرف، كما نعرف جميعاً، أن مصيره لا يتعلق بالدستور أو تعديله، فهذا ميسور، بل باتجاهات الرياح الدولية والإقليمية. وإذا كان مطمئناً، إلى حد كبير، من جهة الدول الغربية والدول العربية التي كانت مناوئة قبل سنوات، فهو لا يملك ترف الاطمئنان من جهة سيده الروسي، ويعرف أن مصيره لا يرسم في صناديق الاقتراع، ولا في دوائر المعارضة السورية، بل في الكرملين بالدرجة الأولى.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها