الثلاثاء 2021/05/25

آخر تحديث: 06:31 (بيروت)

موسكو لا تتظاهر لفلسطين

الثلاثاء 2021/05/25
موسكو لا تتظاهر لفلسطين
increase حجم الخط decrease

قد تكون موسكو من بين عواصم العالم القليلة، التي لم تتظاهر لفلسطين أثناء الجولة الأخيرة من الحرب الفلسطينية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي أعلن، منذ الأسبوع الأول لاندلاع الحرب، أن الصراع يمس مصالح الأمن القومي الروسي ويجري "على مقربة شديدة من حدودنا"، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتحريك الشارع الروسي. وقد تكون ضآلة عدد الجالية العربية في روسيا، مقارنة مع البلدان الغربية ، هي أحد الأسباب في ذلك، لكنه ليس السبب الوحيد بالتأكيد. فمن المعروف أن الشعب الروسي قليل التفاعل مع الحدث العالمي إلا إذا حدث في الغرب، وليس فقط لإنشغاله بهمومه اليومية المتفاقمة في ظل بوتين ، الذي استثمر جيداً في شعور الروسي التاريخي بأنه قلعة محاصرة من الجميع . 

كما لا يجد عدم تظاهر موسكو تفسيره في العلاقات الإجتماعية والثقافية الناشطة بين روسيا وإسرائيل ، والتي تخلق طلباً كثيفاً على الرحلات الجوية بين البلدين، حيث تصل إلى 10 رحلات أسبوعياً . فهذه العلاقات الناشطة تكاد تنحصر بالإسرائيليين من بلدان الإتحاد السوفياتي السابق، الذين يشكلون نسبة 15% من سكان إسرائيل ولهم بيئتهم الخاصة وصحفهم وشبكات تلفزتهم وتكتلهم النيابي في الكنيست الإسرائيلي (إسرائيل بيتنا) . 

ومن المؤكد أن عدم تظاهر موسكو لا يعود إلى تعاطف شريحة واسعة من المثقفين الروس مع إسرائيل، بل وكثر منها يحملون جنسية إسرائيلية، ويتفاخر فنانون روس بجولاتهم الإسرائيلية ، حيث يجدون إقبالاً كثيفاً على نشاطاتهم الفنية . لكن هذه الشريحة من الروس بعيدة كل البعد عن المزاج الروسي العام ، الذي يتميز بمشاعره التاريخية غير الودية حيال اليهود ومن ثم حيال إسرائيل بعد قيامها. غير أن المزاج الروسي هذا لم يحل دون نشوء علاقات ودية خاصة بين بوتين ونتنياهو، وذلك للمرة الأولى منذ قيام إسرائيل، التي تنشأ فيها مثل هذه العلاقات بين الكرملين والقيادة الإسرائيلية . 

منذ إندلاع الجولة الأخيرة من الحرب الفلسطينية الإسرائيلية حرص الكرملين على تأكيد موقفه المعروف من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لا يغلق الباب أمام سعي روسيا للعب دور الوسيط في هذا النزاع واحتضان موسكو لجلسات إحياء الحوار الفلسطيني الإسرائيلي. ويركز الكرملين على إحياء دور رباعية الشرق الأوسط، مع الدعوة لتوسيعها لتضم عدداً من الدول العربية أيضاً. 

صحيفة "gazeta.ru" ، وفي نص بعنوان "روسيا ستفعل أفضل من أميركا : من يستطيع مصالحة إسرائيل وفلسطين"، قالت بأن موسكو تقترح منصة جديدة للمفاوضات بشأن التسوية في الشرق الأوسط . وتنقل الصحيفة عن تصريح للناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها بأن موسكو تقترح تنظيم لقاء وزاري وفق صيغة 4+4+2+1 ، أي رباعية الشرق الأوسط إضافة إلى مصر والأردن والإمارات والبحرين ، زائد فلسطين وإسرائيل ، زائد السعودية بوصفها صاحبة فكرة المبادرة العربية العام 2002 . 

ونقلت الصحيفة عن النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الإتحاد فلاديمير جاباروف قوله ، بأن إستمرار النزاع المسلح يهدد بإشتعال حرب عربية إسرائيلية شاملة. وأضاف بأن روسيا مستعدة دوماً للمشاركة في تسوية النزاع، كما أميركا. واعتبر أن هاتين الدولتين فقط بوسعهما لعب دور حاسم في التسوية . 

وتكرر الصحيفة إعلان موسكو بأنها مستعدة لتحتضن محادثات بين الطرفين، حيث يمكن حل الصراع الراهن وسواه من المسائل الخلافية. وتقول بأن سفير إسرائيل في موسكو ألكسندر تسفي أعلن لوكالة نوفوستي عن مثل هذه الإمكانية، وقال للوكالة بأن الإسرائيليين يكررون لممثلي روسيا بأنهم على إستعداد لإجراء مفاوضات مباشرة بين نتنياهو ومحمود عباس من دون شروط مسبقة. وأشار إلى أنه إلى جانب روسيا، الإدارة الأميركية الجديدة مهتمة أيضاً بالمشاركة في التسوية .

وتقول الصحيفة أن الخبراء الروس، الذين تحدثت إليهم يجمعون على أن روسيا تتمتع بمواقع جيدة لتلعب دور الوسيط في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن الطرفين يقومّان بصورة مختلفة فعالية مثل هذه الوساطة. فرئيس القسم في أكاديمية الإقتصاد التابعة للرئاسة الروسية سيرغي ديميدنكو يقول بأن ليس لدى روسيا أدوات تأثير لا على حماس ولا على القيادة الإسرائيلية. فتنظيم حماس يضم مجموعات نفوذ مختلفة بين مصرية وإيرانية وقطرية وسورية. روسيا لا تقر بأن حماس منظمة إرهابية، ولذا "لدينا الإمكانية بأن نتدخل كوسيط"، لكن ليس لدى روسيا أدوات فعلية للتأثير فيها، لأن حماس لا تضم مجموعات تتأثر بروسيا. ويقول الرجل بأن وضع روسيا مع إسرائيل هو نفسه كما في حالة حماس، إذ أن إسرائيل لا تأخذ بالإعتبار سوى مصالحها الخاصة، لا سيما في مجال الأمن . 

بدوره الأستاذ في مدرسة الإقتصاد العليا والمستعرب أندريه تشوبريغين يقول بأن إسرائيل أرادت من جولة الحرب الحالية تلقين حماس درساً، في حين أن حماس تعتبر أنها قامت بمهمتها ومستعدة للقبول بحلول وسطية. لكن المستشرق يخشى من أن تكون صحيحة المعلومات بأن حزب الله يتدخل في الصراع، مما يعني أن وتيرة الصراع سوف تتصاعد. ويتساءل ما إن كانت روسيا بحاجة للتدخل في الصراع، لأن ذلك محفوف بالمخاطر. ويقول بأنه إذا باشرت روسيا بمهمة الوساطة، وفجأة يصيب حزب الله مدرسة في إسرائيل ، حينها سيتهم الجميع روسيا برأيه، لكن بدون أن يفسر لماذا سيتهم الجميع روسيا ولأي سبب . 

يقول المستعرب بأن ثمة شعوراً بأن روسيا ستكون سعيدة بلعب دور الوسيط، وهي تفعل ذلك "أفضل من أميركا بكثير". ويكرر الرجل مقولة أن نتنياهو كان بحاجة للتكسب سياسياً من جولة الحرب الحالية وذلك لفشله في تشكيل الحكومة، وكذلك الأمر بالنسبة للفلسطينيين الذين ألغوا الإنتخابات البرلمانية . 

سيرغي ديميدنكو يرى أن الهدنة التي أعقبت الجولة الراهنة لن تدوم أكثر من ثلاث سنوات ليعود التوتر ويبدأ من جديد. ويرى أنه من المستحيل القضاء على سبب الصراع لأنه يرتكز إلى ثلاث مسائل  ــــ مشروع المستوطنات اليهودية ، مسألة اللاجئين الفسطينيين ووضع القدس ، وجميعها غير قابلة للحل . 

المفكر الديني(مذهب كابّلا ـــ وهو أحد تشعبات الدين اليهودي) الإسرائيلي ميخائيل لايتمان ، وفي شريط فيديو نشره بالروسية، يتساءل ما إن كان يوجد لدى إسرائيل إستراتيجية فعلية للخروج من حال الحرب، "أم أننا نزمع أن نحارب إلى ما لا نهاية". ويقول الرجل بأن السلام في إسرائيل أصبح كلمة مرذولة، تماماً كما كلمة الوحدة. حتى معسكر اليسار يخجل من التحدث عن السلام بصوت عال. 

ويقول بأن الإسرائيليين يرفضون مواجهة الحقائق، ويلتزمون بثلاث إستراتيجيات مفتعلة وفاشلة  ويعددها ويتوقف عند الأولى منها، التي تقول بأن إسرائيل تعمل على الإستمرار بوجودها بقوة السلاح . لكنه يعتبر أن هذا الحل مؤقت، إذ أن العالم أقوى من إسرائيل، وحين يريد طردها فعلاً، سوف يفعل كما فعل غير مرة، وكل إنتصاراتها سوف تمحوها هزيمة واحدة .  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها