الأحد 2021/05/23

آخر تحديث: 06:35 (بيروت)

الليونة الامريكية والدلع الايراني

الأحد 2021/05/23
الليونة الامريكية والدلع الايراني
© Getty
increase حجم الخط decrease

في الوقت الذي عاد فيه الوفد الايراني المفاوض الى طهران لاجراء مزيد من المشاورات حول آخر ما توصلت اليه مباحثاته مع مجموعة 4+1 وبشكل غير مباشر مع واشنطن التي تستضيفها فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، وعلى الرغم من جرعة الامل التي تأتي من جميع الاطراف حول امكانية التوصل الى تفاهمات خلال الأيام القليلة المقبلة تعيد تفعيل العمل بالاتفاق والغاء الجزء الأكبر من العقوبات الامريكية وتلزم ايران بالعودة الى تنفيذ تعهداتها النووية. يؤكد رئيس الوفد الايراني المعاون السياسي لوزير الخارجية عباس عراقتشي وجود نقاط عالقة يجب التوصل الى تفاهم حولها قبل الاعلان عن اعادة احياء الاتفاق او التوقيع على اتفاق جديد يزيل الغموض عن كل البنود والنقاط التي تشكل مصدر قلق لدى الطرفين في الاتفاق القديم. وهذه النقاط بحاجة الى قرار واضح وصريح من الجهات العليا في عواصم البلدان المشاركة في الاتفاق خاصة القيادة الايرانية والجهات المعنية فيها بملف التفاوض والقرارات الاستراتيجية، أي المرشد الاعلى والمجلس الاعلى للامن القومي، لتأخذ طريقها الى التنفيذ والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون بين ايران والمجتمع الدولي. 

وفي ظل التطورات التي شهدتها الساحة الاقليمية، خاصة تلك التي جرت في فلسطين والمواجهات الواسعة التي شهدتها الضفة الغربية ومدينة القدس مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، او الحرب التي نشبت بين اسرائيل وقطاع غزة، يبدو ان الخماسية الدولية مع امريكا من جهة، وايران من جهة اخرى، تواطأت على ابعاد تأثيراتها عن مسار التفاوض والمفاوضات، خاصة ما بذله الجانب الايراني في مواجهة اي جهود لربط التفاوض حول البرنامج النووي مع ملف النفوذ الاقليمي لطهران وذلك لقطع الطريق على اي محاولة للحصول من النظام الايراني على تنازلات في هذا الملف مقابل مغريات في النووي والعقوبات الاقتصادية. ما يعني ان ما جرى في المنطقة وما شهدته فيينا يحمل على الاعتقاد باستمرار فصل المسارات في التفاوض الدولي مع ايران حول الملفات الثلاثة الاساسية التي تشمل البرنامج النووي والنفوذ الاقليمي والبرنامج الصاروخي. 

الحديث الرسمي الايراني عن قرب التوصل الى تفاهم يساعد على الغاء العقوبات الاقتصادية، وما اكده الرئيس حسن روحاني من ان هذا الامر يعتبر انتصارا جديدا للشعب الايراني. بالاضافة الى الجهود الدبلوماسية التي بدأها الوزير محمد جواد ظريف لاعادة احياء التعاون الاقتصادي والاستثمارات الاوروبية في القطاعات الايرانية خاصة النفط والغاز والتي انطلقت من العاصمة الايطالية روما قبل ايام، وما تؤكده جهات دبلوماسية ايرانية معنية بالتفاوض من امكانية انهاء اللمسات الاخيرة لمضمون الاتفاق الجديد والتوقيع عليه قبل موعد الانتخابات الرئاسية الايرانية المقررة في 18 حزيران/ يونيو. عادت اصوات المعترضين والمعارضين للاتفاق النووي بالارتفاع في الداخل الايراني، معتبرة ان تجربة التفاوض التي بدأت منذ 8 سنوات لم تجلب لايران سوى الخسارة الاكيدة، وان الجهود التي تبذلها واشنطن هي نتيجة فشل سياسات الضغط القصوى الذي فرضتها على ايران عبر عقوبات اقتصادية غير مسبوقة. 

وتطالب هذه الجهات والاصوات بان تكون مفاوضات فيينا فقط في اطار الحفاظ على المصالح القومية والوطنية والعمل بحساسية عالية من اجل ازالة ما يعتري الاتفاق النووي من اشكالات، وبما يساعد على تحقيق او الوصول الى تثبيت المصالح القومية. لذلك فان اي حديث او قبول ايراني بما تطرحه الادارة الامريكية حول تعليق العقوبات من دون الغائها، يعني ابقاء المجال مفتوحا امام واشنطن لاستخدام سيف العقوبات في الوقت الذي تريد، خاصة وان التعليق يخضع لدورة زمنية تصل الى 120 يوما ويرتبط بقرار تنفيذي يصدر عن الرئيس الامريكي. ما يعني ان شبح العقوبات سيستمر بالهيمنة على الاقتصاد الايراني ويبقى مخاطر التعاون بين ايران والاطراف الخارجية ويمنع تدفق الاستثمارات. 

وهنا تتهم هذه الجهات الفريق المفاوض بانه لم يأخذ بعين الاعتبار الشرط الذي وضعه المرشد الاعلى قبل انطلاق المفاوضات بان يكون امام ايران فرصة زمنية لاختبار مدى جدية الالتزام الامريكي بمسألة رفع العقوبات، وان اي اتفاق يشمل ما تسعى له واشنطن ويقبل بمبدأ التعليق بديلا من الالغاء يدخل في اطار التفريط بالمصالح القومية والوطنية الايرانية وقد يصل الى مستوى الخيانة الوطنية. 

المعارضون لمفاوضات فيينا الحالية، انتقلوا من معارضة الاتفاق النووي الموقع في 14 تموز/ يوليو 2015 واتهام الفريق المفاوض حينها بالتفريط بالحقوق القومية في امتلاك التكنولوجيا النووية – السلمية- بعد الموافقة على تفكيك اجزاء ومنشآت رئيسية منه من اجل الغاء العقوبات الاقتصادية، مثل خفض عدد اجهزة الطرد المركزي وتحديد كميات اليورانيوم المخصب وتفكيك منشأة اراك لانتاج الماء الثقيل والبلوتونيوم، وتغاضوا عن المكاسب الاقتصادية والمالية والتجارية التي حققها الاتفاق. الا ان قرار الرئيس ترامب في 8 نيسان/ ابريل 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة الى فرض عقوبات قاسية وخانقة على ايران وتصفير صادراتها النفطية، وما لجأت اليه ايران من خطوات تقليص التزاماتها بالاتفاق اسقط بيد هذه الاصوات المعارضة عندما اصطدموا بعودة جميع المنشآت وفي اوقات قياسية لفعاليتها القصوى باقل مدة زمنية، دفعت العواصم الغربية المعنية بالاتفاق مع الوكالة الدولية لاعادة تفعيل المسار التفاوضي مستغلين التغيير الحاصل في ادارة البيت الابيض وانتقاله من الجمهوريين الى الديمقراطيين. 

المعترضون على مفاوضات فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي يطالبون الفريق المفاوض التمسك بحق ايران بعدم التنازل امام الضغوط الامريكية الساعية لتكريس مبدأ تعليق العقوبات بدلا عن الالغاء، ويدعون لتضمين الاتفاق الجديد آلية تشبه الالية التي جاءت في اتفاق 2015 التي تسمى "آلية الزناد" التي تسمح بعودة جميع العقوبات في مجلس الامن إذا أخلّت ايران بالتزاماتها، لكن هذه المرة لصالح ايران وليس واشنطن، بحيث تضمن هذه الالية الجديدة عدم عودة العقوبات في حال تكرار الاجراء الامريكي، خصوصا  وان اعادة احياء الاتفاق بالشكل الموجود يضمن لواشنطن والاطراف الاخرى الاستفادة من الالية الموجودة واعادة الملف الايراني الى مجلس الامن من دون ان تمتلك ايران اي آليات دفاعية، بعد ان ثبت للجميع بان الغاء العقوبات في الاتفاق الموقع لم تكن سوى حبر على ورق. وبالتالي لم يكن الاتفاق سوى خسارة اكيدة لايران. 

ما بين اتهام روحاني وفريقه المفاوض بالتفريط بالبرنامج النووي من اجل الحصول على وعود اقتصادية غير عملية، وبين المطالب التي يرفعها المعترضون على المفاوضات الجديدة ونتائجها، يبدو ان التركيز لدى هؤلاء انتقل من المنشآت والحق النووي لإيران الى الحقوق الاقتصادية والمنافع والمصالح التي من المفترض ان تحصل عليها ايران من هذا الاتفاق، ما يكشف ان سياسات العرقلة التي مورست بوجه روحاني وفريقه كان الهدف منها سياسيا كي لا يتم استخدامها في تكريس معادلات داخلية، وان المرحلة المقبلة تحمل وعودا بانفراج اقتصادي وسياسي يجب ان يستغلها فريق السلطة لتعزيز قدرة الامساك واستثمار النتائج لصالحه وتقديم نفسه بأنه الفريق القادر على تحصيل الحقوق الايرانية والدفاع عنها من خلال الشروط التي وضعها على عملية التفاوض لضمان أفضل النتائج. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها