الأربعاء 2021/05/19

آخر تحديث: 12:34 (بيروت)

في أن مصر تحتاج الى غزة وحماس

الأربعاء 2021/05/19
في أن مصر تحتاج الى غزة وحماس
على معبر رفح (غيتي)
increase حجم الخط decrease

التحول الأخير في خطاب الإعلام المصري تجاه غزة، جاء حاداً ومبالغاً فيه، إلى حد إثارة السخرية. من النقيض إلى النقيض، تنقلب حركة "حماس"، المتهمة بفتح السجون وإحراق أقسام الشرطة في ثورة يناير، إلى حركة مقاومة. إلا أنه، وبعيداً من تقلّبات الآلة الدعائية للنظام المصري، فإن تلك التغيرات على المستوى الرسمي لم تحدث فجأة وليست بالجديدة. فبيانات الخارجية المصرية الأخيرة، وإدانتها للأعمال العدائية الإسرائيلية بوضوح، ومعبر رفح المفتوح للحركة بين الجانبين، ودخول عربات الإسعاف إلى القطاع، كل هذا قد سبقه تغيرات في الموقف المصري من غزة.

ففي شباط/فبراير الماضي، أعلنت الحكومة المصرية، فتح معبر رفح بشكل دائم وحتى إشعار آخر، وكان الهدف المعلن هو دعم الحوار بين الفصائل الفلسطينية. لم ينل الخبر في حينها الاهتمام أو التحليل الذي يستحق، ربما لأن أحداً لم يأخذ مسألة الفتح الدائم على محمل الجد. فمنذ الحصار على غزة العام 2007، اعتادت الحكومات المصرية المتتابعة، فتح المعبر بشكل مؤقت، من حين إلى آخر، كحدث استثنائي، له صفة الدورية. ولأنه كان من غير المعتاد أو المتوقع أن يستمر المعبر مفتوحاً لفترة طويلة، فكان مفاجئاً هذه الأيام أن نتذكر أو نكتشف أن الحركة بين جانبي الحدود مازالت سارية.

قامت القاهرة بإعادة تموقع داخل شبكة التحالفات والعداوات في المنطقة، لترمم الخطوط العامة لسياسات عهد مبارك تجاه القضية الفلسطينية. فمن ناحية، انضمت مصر إلى موجة تهدئة المواجهات الإقليمية، بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وإن كانت عودة العلاقات مع قطَر قد جاءت تماشياً مع قرار الدول الخليجية، بقيادة السعودية، لرفع الحصار عنها، فإن المفاوضات مع الأتراك لأجل تطبيع العلاقات، اتخذت مساراً مستقلاً، وإن كان متوازياً مع تقارب تركي سعودي.

لكن، ربما للتحولات المصرية تجاه غزة تحديداً، دوافع وأبعاداً أخرى. فمنذ توقيع كامب ديفيد، لعبت القاهرة دوراً محورياً في دفع دول الجوار نحو التطبيع مع إسرائيل، بوصفها وكيلاً عربياً للسياسات الأميركية. بل وحتى بعد أوسلو ووادي عربة، احتفظت مصر بثقل معتبر كوسيط بين الإسرائيليين وحكومات المنطقة، وإن تراجع وزنها مع الوقت، لينحصر في ضبط قطاع غزة واستخدام معبر رفح كصمام أمان لتخفيف الضغط على سكانه.

أصابت اتفاقيات إبراهام، النظام المصري، بالكثير من الانزعاج. فكل التحركات تمت من دون أي شراكة مصرية، كأن القاهرة تفقد ما تبقى من دورها كوكيل أو حليف، فهناك من هم أكثر حماسة منها للعب هذا الدور، وبل أكثر سخاءً ونفوذاً كذلك. ومن جهة أخرى، فإن التطبيع، بكل هذا الاندفاع إلى حد الاعتراف الضمني بإغلاق الملف الفلسطيني، يعني إخلاء موقع مصر كوسيط أيضاً.

هكذا، فإن محاولة القاهرة لاستعادة بعض من وزنها الإقليمي عموماً، وفي الملف العربي الإسرائيلي تحديداً، تبدأ بالضرورة من تحسين علاقتها بـ"حماس"، لصالح ترميم مصداقيتها كوسيط على الأقل. وبالطبع، ترحب "حماس" بأي خطوة إيجابية من الجانب المصري، فالقطاع المحاصر طويلاً لا يملك الكثير من الخيارات.

بشكل عرضي، تصب الاضطرابات الأخيرة في مصلحة القاهرة. فمن الواضح فشل اتفاقيات إبراهام في تحقيق السلام لإسرائيل. بل، على العكس، ربما ساهمت في تأجيج الغضب الفلسطيني. وكذا ثبت عجز دول الموجة الأخيرة من التطبيع عن القيام بدور الوسيط، بسبب مواقفها غير المتوازنة تجاه الفلسطينيين، والتي تصل إلى درجة العداء العلني مع "حماس".

اليوم، تشير وسائل الإعلام إلى القاهرة، جنباً إلي جنب مع الدوحة وأنقرة، في إطار جهود الوساطة لأجل وقف إطلاق النار، وهو ما يتم برعاية أميركية. ويبدو وكأن السياسة الخارجية المصرية تسترجع صورتها المعتادة، كأخ أكبر من ناحية، ووسيط فعال وحليف مفيد من ناحية أخرى. وبصيغة أخرى فإن مصر تحتاج إلى غزة كما أن غزة تحتاجها، وإن لم يكن بالقدر نفسه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها