الثلاثاء 2021/05/11

آخر تحديث: 06:59 (بيروت)

روسيا تعاقب مساواة ستالين بهتلر

الثلاثاء 2021/05/11
روسيا تعاقب مساواة ستالين بهتلر
© Getty
increase حجم الخط decrease

منذ 76 عاماً وروسيا تحتفل سنوياً في 9 أيار/مايو بذكرى الانتصار على ألمانيا النازية . وهي تتفرد في ذلك عن بقية الدول المشاركة في هزيمة النازية في سنوية الإحتفال، وفي يوم تاريخه وتسميته. فأوروبا لا تحتفل بهذه المناسبة سنوياً ، بل تتذكرها في مواعيد يوبيلها الفضي أو الذهبي، وذلك في يوم توقيع القيادة النازية على صك الإستسلام في 8 أيار/مايو العام 1945، وتحافظ على تسميتها بالحرب العالمية الثانية، ولا تعتبرها عيداً وطنياً يترافق بالتعطيل عن العمل، بل يوماً "للتذكر والحزن". أما روسيا فتعتبر هذه الذكرى عيداً وطنياً، تتعطل فيه الأعمال وترافقه إحتفالات شعبية كثيفة وعرض عسكري ضخم في الساحة الحمراء ومسيرات حاشدة لما يسمى "الفوج الخالد" في سائر الحواضر الروسية وفي الجاليات الروسية في الخارج تحت شعار "بوسعنا أن نعيد الكرة" . 

الحرب العالمية الثانية، أو "الحرب الوطنية العظمى" بالنسبة للروس، إندلعت في مطلع أيلول/سبتمبر 1939، ولم يشترك فيها الإتحاد السوفياتي سوى في حزيران/يونيو العام 1941، واستبق إندلاعها قبل أسبوع واحد بعقد إتفاقية عدم إعتداء مع هتلر أواخر آب/أغسطس، المعروفة بإتفاقية مولوتوف ـــــ روبنتروب . 

لا يًخفى ما أضمرته السلطة السوفياتية والروسية من بعدها من دلالات ومعان في تسمية الحرب العالمية الثانية حرباً وطنية عظمى، وفي إعتبار تاريخ نهايتها بهزيمة النازية عيداً للنصر يترافق مع عرض عسكري ضخم، وبين إعتباره يوماً "للتذكر والحزن" والوقوف دقيقة صمت على أرواح عشرات الملايين من ضحاياها. هذه الدلالات والمعاني هي التي تثير خلافاً حاداً مع الغرب والإتحاد الأوروبي، بما تنطوي عليه من تمجيد للقيادة الستالينية إبان الحرب وتجاهل إرتكاباتها بحق الشعب الروسي وشعوب البلدان الأوروبية الأخرى، وتجاهل المساعدات الأميركية والأوروبية، التي اعتبرها ستالين "حاسمة" في صمود روسيا. وكان البرلمان الأوروبي قد أقر في خريف العام 2019 قانوناً بإدانة جرائم الستالينية والنازية على حد سواء ، وهو ما أثار غضب الكرملين، الذي اعتبر القانون جزءاً من محاولات الغرب المستمرة لتزوير تاريخ الحرب  العالمية الثانية وإعادة كتابته. وتصاعدت منذ تلك اللحظة وتيرة ما يسمى  ب"حرب تاريخ الحرب العالمية الثانية"، وليس مع الغرب فحسب، بل بين الكرملين والمؤرخين الروس الملتزمين السردية الرسمية لهذا التاريخ من جهة، وبين المؤرخين الذين يتفقون مع مقاربة الغرب لدور الستالينية في إشعال فتيل تلك الحرب بالإتفاقية المذكورة مع هتلر، من جهة أخرى . 

قبل أيام من الإحتفالات الروسية الأحد المنصرم في 9 أيار/مايو ، أعلن بوتين هذا اليوم "مقدساً" ، وقال "ستمر السنون وتنطوي العقود، لكن 9 أيار/مايو سيبقى في بلادنا العيد الرئيسي والأكثر قداسة" . وبتكليف من بوتين، تقدم نواب حزب السلطة في مجلس الدوما (البرلمان) بمشروع تعديلات  لقانون سابق بشأن "تخليد نصر الشعب السوفياتي في الحرب الوطنية العظمى"،  يقترحون فيها حظر المساواة بين دور الإتحاد السوفياتي ودور ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، وحظر المقارنة بين قيادات وأهداف وقرارت كل منهما. وعنونت BBC الروسية النص، الذي استضافت فيه عدداً كبيراً من الكتاب والمحللين الروس علقوا على مشروع القانون، بالقول "روسيا تستولي على النصر: ما حاجتها لقانون إضافي عن ذاكرة الحرب الوطنية العظمى" . 

بين "عيد النصر" ويوم "للتذكر والحزن" ينقسم الروس عمودياً بين السلطة ومن خلفها الريف والمعمرين والقوميين المتشددين، الذين يطربون لقعقعة السلاح وحديث الحرب، وبين الأجيال الشابة والشرائح المتنورة المناهضة للحرب وصرير جنازير الدبابات في الساحة الحمراء. بمناسبة إحتفالات عيد النصر الأحد المنصرم برز هذا الإنقسام جلياً في ما نشره عدد من الفنانين والكتاب الروس عن رفضهم للإحتفالات والعرض العسكري، وردود السلطة ومواقعها الإعلامية عليهم. فقد نشر الممثل المسرحي والسينمائي ديمتري نازاروف شريط فيديو يلقي فيه قصيدة نارية ضد الإستعراض العسكري في الساحة الحمراء وعشرات المدن الإقليمية يسأل فيها أهل الكرملين "لماذا تكبلون روسيا بالحواجز الحديدية ، لماذا تطلقون النار على الأجور ومعاشات التقاعد.. لماذا إستعراض الضعف والذل هذا، لماذا إستعراض الخواء هذا ". أثار الممثل حفيظة أهل السلطة  وإعلامييها، وعلى رأسهم مقدم البرامج التلفزيونية فلاديمير سالافيوف الأشد بداحة، والذي نصح الممثل بإنشاء"إتحاد الفنانين الطلقاء" والعيش على دخل مهنته من دون ما يتلقاه من الدولة. تبع نص سالافيوف في صحيفة الكرملين "VZ" 462 تعليقات للقراء جميعها تقريباً تندرج في سياق لغة الكاتب. كما نشرت الإعلامية كسانيا سابتشاك، (ترشحت للإنتخابات الرئاسية العام 2018 "لمنافسة" بوتين، كما مرشحي الرئاسة السورية "لمنافسة" الأسد)على موقعها في شبكة التواصل الإجتماعي  تعليقاً على الإستعراض العسكري بعد عودتها من حضوره ، وأعلنت عن موقفها ضد "عيد النصر" وتأييدها ل"يوم التذكر والحزن" . كما نشر الكاتب السياسي فيكتور شندروفيتش أيضاً في الفايسبوك نصاً تحدث فيه عن "أمم معطوبة" عاجزة عن الإعتذار عن خطاياها مع أمم أخرى، ونال، كما نازاروف وسابتشاك، نصيبه من إعلام الكرملين وقرائه . 

كيريل سيميونوف ، خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية وكاتب عمود في موقع "Al-Monitor" المتخصص بشؤون الشرق الأوسط ومقره في واشنطن، وفي تواصل ل"المدن" معه، قال بأنه لا يهتم لآراء الأشخاص الثلاثة  أعلاه. وقال بأنه ضد العرض العسكري السنوي في هذا اليوم، لأنه ليس يوم لتستعرض الدولة فيه قوتها العسكرية، بل هو يوم ذكرى الذين استشهدوا وقضوا في هذه الحرب، أي أن على الناس بذل جهودهم لكي لا يتكرر ما حدث. إستعراض القوة العسكري، على قوله،  يغذي الميول العسكرية، حتى وإن كان هدفها إستعراض قوة البلد الدفاعية فقط. أما المشاريع مثل مسيرات "الفوج الخالد" فهي مناسبة جداً لمثل هذا اليوم، خلافاً للعرض العسكري، برأيه .

الدكتور في العلوم الفلسفية والسوسيولجي إيغور تشوبايس، نال حصته أيضاً من تهجمات إعلامي الكرملين فلاديمير سالافيوف على إنتقاده  لمشروع القانون بشأن النصر في الحرب الوطنية العظمى. نشر تشوبايس في موقع "Kasparov" المعارض نصاً بعنوان "مشروع القانون بشأن النصر ــــــــ هل نناقشه أم ندينه". يتوجه الرجل بسؤال إلى واضعي مشروع القانون يتعلق بالبروتوكل السري الملحق بإتفاق روبنتروب ــــ مولوتوف ما إن كان يجب الإعتراف بأنه مازال قائما، أو أنه ملغى وغير موجود بموجب قرار مجلس السوفيات الأعلى السابق العام 1989 ، أم أن قرار المجلس نفسه قد ألغي ؟

إذا كان البروتوكول ما زال قائماً وشرعياً، فما العمل بنص مشروع القانون الجديد، الذي يحظر المقارنة والمساواة بين القيادة السوفياتية والقيادة النازية ، أي بين هتلر وستالين ، والبروتوكول ينص على إتفاقهما على أمور ما، أي أنه يساوي بينهما .

يستطرد الكاتب في مناقشة مشروع القانون بالمنطق عينه في التناقض بين ما يحظره وما هو في الواقع، مثل دور روسيا المقرر في هزيمة النازية وتجاهله دور المساعدات الأميركية والغربية في صمودها ، ودور القيادة الستالينية وقراراتها وأهدافها، وحظر مقارنتها بالقيادة النازية وجرائمها، وتجاهل إرتكاباتها وجرائمها بحق الشعب الروسي والبولوني وسواهما من شعوب أوروبا. ليخلص إلى القول بأن مشرعي مجلس  الدوما الروسي يبدو أنهم قرروا مصادرة دور المؤرخين في معالجة هذه المسائل والحلول مكانهم . لكنه يذكرهم بأن زمن الرأي الواحد ورفض الرأي الآخر قد ولىّ مع سقوط الإتحاد السوفياتي . 

 








 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها