الجمعة 2021/04/30

آخر تحديث: 08:40 (بيروت)

طريق بيروت يمر في صنعاء

الجمعة 2021/04/30
طريق بيروت يمر في صنعاء
© Getty
increase حجم الخط decrease

لم تعد المحادثات السعودية-الإيرانية مجرد محاولة لرأب الصدع. ذلك أننا انتقلنا في هذه المحادثات من طور اللقاء بين قائدي الاستخبارات برعاية أو وساطة رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي (وهو رئيس سابق للاستخبارات العراقية)، إلى طور الدبلوماسيين الكبار. وما زيارتا وزيري الخارجيتين الإيراني محمد جواد ظريف والسعودي فيصل بن فرحان الى الدوحة، إلا مؤشر آخر الى انتقال الكلام لمرحلة أكثر جدية.

وهذا المسار منفصل عن محادثات فيينا للعودة للاتفاق النووي الإيراني. بيد أن الجانب الإيراني لن يبحث في النشاطات الإقليمية مع المفاوض الأميركي، ويُريد أن يقتصر النقاش في آليات العودة لاتفاق انسحبت منه الولايات المتحدة، وتراجعت ايران فيه عن التزاماتها بشأن البرنامح النووي. ومن جهتها، واشنطن، كما سبق أن أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، تُريد "إعادة ايران الى الصندوق"، لإزالة "الصداع" النووي من المعادلة والتركيز على مواجهة الصين وروسيا.

وهذا الملف تحديداً على ارتباط برفع العقوبات والحصار الاقتصادي والمالي، علاوة على معالجة ذيول الوضع الداخلي الإيراني الخانق، إذ أن القيادة الايرانية وقاعدتها على حد سواء أصابهما الإرهاق من الأزمات المستمرة.

إذاً، المسار السعودي-الإيراني منفصل عن المفاوضات النووية. والواقع أن هذا المسار محصور في بلدين تملك فيهما الرياض وطهران قدرة خالصة على التأثير، دون تعقيدات ملفات أخرى في الإقليم. وهذان البلدان هما اليمن، في المقام الأول، ولبنان في الثاني. 

في اليمن، هناك رغبة سعودية في انهاء هذا الصداع اللامتناهي. ذلك أن للقيادة السعودية الجديدة أولويات داخلية على المستوى الاقتصادي والتنموي، لا تتصالح مع مآلات الحرب اليمنية، إذ كيف تُوفق بين بناء مدن الذكاء الصناعي ومساحات الريادة في عالم الأعمال، وبين قصف المطارات والمنشآت بشكل دوري؟ هذا من جهة. من جهة ثانية، هناك إدارة أميركية جديدة تعكف على مراجعة العلاقات الأميركية-السعودية ووضعها على طبق بارد، وهذا يعيدنا الى مرحلة الرئيس السابق باراك أوباما، عندما خطت الرياض سياسات خاصة بها بمعزل عن الإرادة الأميركية (منها حرب اليمن).

في جانب منها، تُمثّل المحادثات غير المعلنة بين الجانبين، تعبيراً عن شعور السعودية بضرورة اجتراح مسار منفصل عن السياسة الأميركية، وهي غالباً قيد التشكيل في أكثر من مكان في المنطقة. وفي المقابل، لدى الجانب الإيراني رغبة في التخفيف من حدة المعارضة السعودية للعودة للاتفاق النووي. لن يترافق رفع العقوبات الأميركية مع تعزيز السياسة العدائية تجاه الرياض. 

لكن وفي ظل هذه التطورات، ما الانعكاسات المحتملة على الملف اللبناني؟

في حال واصلت المحادثات تقدمها وفقاً للوتيرة الحالية، ستُثمر في دعم سعودي لمسار الإنقاذ المحلي اللبناني، إن كان لجهة تسهيل تشكيل الحكومة، أو عبر توفير الدعم المطلوب دون المرور في نفق الإصلاحات الموجعة لأركان الطبقة السياسية.

وهنا، وبحسب المعلومات الشحيحة المتوافرة عن المحادثات، وتطرقها لماماً الى الملف اللبناني، هناك نقطتان لافتتان. أولاً، رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري عقبة واضحة، والمشكلة معه متقدمة في ترتيب التحفظات السعودية في لبنان. وبالتالي، فإن الحريري هو المتضرر الأول من هذا المسار الإقليمي. وصار اليوم في موقع مُشابه لرجل أعمال لم يتأقلم بعد مع تبعات إفلاسه وتحوله لانسان عادي يتساقط نفوذه وعلاقاته كأوراق التوت عن جسد عارٍ. يُسافر الى روسيا للاتصال برئيسها هاتفياً، أو يُحاول لملمة ظلال دور مفقود برحلات خارجية يبدو مضمونها سياحياً أكثر منه سياسي. هذا سراب لا يُغني عن الواقع. 

ووزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل ليس بعيداً عن هذا الحال، إذ أن اعتذار الحريري أو غيابه في حال حصل، وهو مرجح ولو بعد حين، يُخفف من مدى نفوذ صهر الرئيس وقدرته على العرقلة.

عملياً، أي نهاية سعيدة للمحادثات تعني حكومة برئاسة شخص آخر غير الحريري. لا مانع من أن يكون قريباً منه، لكن الرجل نفسه غير مرغوب فيه.

المسألة الثانية اللافتة في المحادثات، هي تقدم الملف اليمني، وارتباط اللبناني فيه، ثانوياً، وربما على سبيل المقايضة بين الأمن في اليمن، والإنقاذ المالي في لبنان. بيد أن الحل اللبناني بات أكثر ارتباطاً اليوم بما يحدث في صنعاء. ويبدو أكثر فأكثر بأن طريق الحل في بيروت يمر من هناك.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها