الجمعة 2021/04/23

آخر تحديث: 21:35 (بيروت)

لتحرير اقتصادنا من الريعية

الجمعة 2021/04/23
لتحرير اقتصادنا من الريعية
increase حجم الخط decrease

كان لافتاً القرار السعودي اليوم بمنع دخول الخضار والفواكه الى أراضي المملكة من لبنان. ذلك أن الإشارة الى "الاضرار بالمواطنين الابرياء وبالمزارعين والصناعيين وبالاقتصاد اللبناني" هي على سبيل التوكيد على طبيعة هذا الإجراء، كعقاب جماعي. وهذا مقلق للبنان، ليس فقط بالنسبة الى قطاع الزراعة فيه، وهو ضعيف أصلاً، بل أيضاً لأن السعودية دولة مهمة جداً اقتصادياً للبنان، لجهة استيعابها العدد الأكبر من العمالة اللبنانية في الخليج. هل من المحتمل أن يبدأ عقاب جماعي على هذا المستوى أيضاً؟ هذا الإجراء مقلق. طبعاً، الاغتراب اللبناني في الدول العربية بأسره يُوفر 11 في المئة من مجمل الحوالات الاغترابية (37 في المئة من أميركا الشمالية و33 في المئة من أوروبا، و13 في المئة من أوسيانا (الاغلبية من أستراليا). ملاحظتان على الهامش عن هذا الإحصاء. أولاً، الحوالات من الاغتراب الافريقي غائبة لأن عمليات التحويل غالباً غير رسمية. وثانياً، تاريخ الإحصاء هو عام 2011، أي أنه لم يشمل موجات النزوح الاقتصادية والسياسية من دول الخليج الى لبنان، إذ أن الاتجاه هو نزولاً وليس صعوداً.

لكن تبقى العمالة اللبنانية في السعودية تحديداً (الأولى على مستوى الدول لا المناطق)، مصدراً حيوياً للبنانيين، في ظل انخفاض القيمة الشرائية والاعتماد على الاغتراب لتوفير العملات الصعبة. 

وهذا الإجراء ليس منفصلاً عن السياق العام للسياسة والاقتصاد العربيين هنا.

أولاً، الإجراء السعودي ليس منفصلاً عن واقع انهيار الروابط العربية، وانتقال العلاقات الى طور مصلحي فحسب، علاوة على العداوة الواضحة من القيادة الحالية تجاه ممثل المملكة تقليدياً في لبنان، أي سعد الحريري. وللسياسة الجديدة في السعودية جذور جيلية، وهي على ارتباط بملل من العلاقة الريعية وكلفتها على الداخل. ذاك أن اتخاذ مثل هذا الاجراء، رغم أن لبنان يمر في ضائقة اقتصادية ومالية ويعيش ظروفاً إنسانية صعبة، ينم عن فصل القرارات المصلحية أو الوطنية عن الروابط العرقية والدينية. وهذا حق لأي دولة.

أسبوعياً، تضبط السلطات الحدودية في العالم شحنات من المخدرات مخبأة داخل فواكه أو شحنات غذائية مختلفة أو حتى عبر طائرات بلا طيار، ذاك أن عدة الشغل في التهريب باتت متعددة الوجوه. هذا حصل في ايرلندا في شحنة فواكه من كوستا ريكا الخاضعة للوصاية الأميركية قبل أسابيع، وأيضاً في هونغ كونغ من فواكه مصدرها البيرو في أميركا اللاتينية. طبعاً، لم تُوقف هذه الدول استيراد الفواكه من هذه الدول، بل بالتأكيد زادت من تفتيش الشحنات وعززت إجراءاتها حيال دول المصدر.

ولبنان تحديداً ليس بالدولة القادرة على شيء في هذه الأيام، بل هو في أشد الحاجة لبعض التضامن الاقتصادي، على الأقل لجهة الاستيراد من بضائعه لتأمين بعض العملات الصعبة الشحيحة في المالية اللبنانية. 

ولأن ضعف الدولة في لبنان هو نمط سيزداد حدة خلال الفترة المقبلة، من الطبيعي توقع حوادث مماثلة نتيجة التفلت الحاصل. وهذه الإجراءات تُضاف الى التحولات المهمة بالسعودية. بيد أن سياسة السعودية تحصيل حاصل، ومن الطبيعي أن تُقلص العمالة اللبنانية بشكل واسع خلال السنوات المقبلة. وهذه سياسة تصاعدية تزيد من الاعتماد على العمالة الوطنية وتُخفف من الأجنبية، وتطاول عمالاً من كافة الجنسيات ومنهم لبنانيون عادوا الى بلدهم خلال السنوات الماضية.

وهذا الواقع لا ينفصل عن السياسة. هناك تململ سعودي داخلي بالإمكان تلمسه من الشباب، من الثمن الباهظ لـ"الإخوة" والاتكالية على الرياض في تمويل نُظم غير فاعلة، من دون ثمن. بيد أن هناك عشرين مليون مواطن سعودي لديهم متطلبات تنموية وحاجات طويلة الأمد، وبينهم جيل كامل فيه مئات الآلاف من خريجي الجامعات الغربية. ذاك أن الوفرة النفطية لم تعد كما كانت مع انخفاض أسعاره بشكل بنيوي ومع ارتفاع عدد السكان في الخليج وازدياد المتطلبات المحلية.

زمن الريع الاقليمي انتهى، حتى وإن كُنا نرى بعض الدعم لمصر ونظامها الهش هناك. حتى هذا الدعم غير دائم، ومن الصعب أن نتخيله بالوفرة التي كانت عليها خلال العقود الماضية. دولة كالأردن في أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة، لن تحصل على دعم وشيك ولا حتى بالكميات المطلوبة لضمان ديمومة النظام الريعي المحلي.

على أي سياسة أردنية أو مصرية أو لبنانية أن تُراعي هذا الواقع، وأن تُكيف سياساتها معه، وتحديداً في لبنان حيث هناك من يربط انعاش الاقتصاد بإصلاح العلاقة مع الجوار العربي، على أساس العودة لمرحلة تعزيز السياحة العربية والاغتراب اللبناني للخليج. رغم أن إصلاح العلاقات من بوابة تجنب الصراعات وسياسات المحاور ضروري، لكنه ليس حلاً للأزمة الاقتصادية ولا بوابة لمساعدات سخية. هذه حجة لمن لا يرغب في إصلاح النظام الاقتصادي وتحريره من هيمنة القوى السياسية واحتكارات القوى الموالية لها.

لم يعد هناك مفرٌ من إصلاحات اقتصادية وتعليمية وسياسية جذرية تفتح المجال أمام نمو طبيعي، وقطاع خاص منتج وفاعل ويعتمد على روح الريادة والابداع لدى الشباب. الحلول السحرية من الخارج لم تعد متاحة، ومن ينتظرها سيخيب كثيراً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها