السبت 2021/04/24

آخر تحديث: 08:33 (بيروت)

سوريا الأسد وروسيا بوتين

السبت 2021/04/24
سوريا الأسد وروسيا بوتين
increase حجم الخط decrease

في العام 2017 تقاسم بوتين مع شاعر روسيا العظيم ألكسندر بوشكين المرتبة الثانية بعد ستالين برأي الروس في "الشخصيات العشر الأبرز في كل العصور ولدى سائر الشعوب" ، حسب مركز" ليفادا" الروسي لاستطلاعات الرأي ذي المصداقية الرفيعة. وفي العام 2014 ، وإثر ضم القرم لروسيا ،  كان بوتين شرط وجود روسيا ، حسب قول النائب الأول لرئيس ديوان الرئاسة الروسية آنذاك فيتشسلاف فالودين في تعبيره الشهير"في بوتين ـــــ في روسيا ، ما في بوتين ـــــــ ما في روسيا" . لكن بوتين تحول اليوم ليصبح شرط وجود السلام في العالم حسب موقع "بوتين اليوم" الرسمي، الذي نشر نصاً بمناسبة رسالة بوتين السنوية لمجلس الإتحاد في 21 من الجاري وعنونه "في بوتين ــــــــ في سلام، ما في بوتين ـــــــ ما في سلام" . 

هذه المبالغات الممجوجة على غرار "سوريا الأسد´و "الأسد أو لا أحد" ، التي تعتمدها الأنظمة التسلطية تنطوي، عدا الإستخفاف الظاهري بشعوبها ، على إقرار داخلي بالخوف المميت من هذه الشعوب وبممارسة العنف لمواجهته . وهي في حرب دائمة مع "شعوبها" ، تخشى أي هدنة معها  ، واي تراخٍ في قمعها وعنفها، تحرص على بقاء السوط والسكين بيدها ، حين "تتنازل" عن بعض حقوق الشعوب في العيش  وخدمات الكفاف للإستمرار في الوجود الجسدي .  

 لم يخرج بوتين عن هذا السياق في رسالته السنوية التقليدية إلى مجلس الإتحاد الروسي . فعلى ساعة وبضع دقائق ، أغدق بوتين على الروس الكثير من الوعود بالتغلب على وباء كورونا، وبتقديم المعونات المالية للأسر والأطباء والمدرسين والنساء الحوامل في ظروف عائلية صعبة ، وحتى لصغار رجال الأعمال ومتوسطيهم. وأنهى رسالته بتوجيه إنذار إلى كل من تسول له نفسه بارتكاب هفوة بحق روسيا، ولكل من يعتقد أن حديث موسكو عن الرغبة في إقامة علاقات متوازنة حتى مع الأطراف التي لا تستقيم العلاقات معها. ودعم إنذاره هذا المغلف بالهدوء، برأي بعض الخبراء الغربيين، باستعراض الجديد لديه من الأسلحة الإستراتيجية النووية وسواها. 

 ولكي لا تدع مجالاً لتشكيك الروس بالتقديمات التي وعد بها بوتين، عمدت إدارة الإحصاء المركزية الروسية، وبمناسبة رسالة بوتين، وعلى غير عادتها، إلى تأجيل نشر تقريرها الفصلي عن دينامية مداخيل الروس الفعلية من 20 إلى 29 الشهر الجاري . ويقول موقع " Forbes" الذي نقل النبأ ، أن إدارة الإحصاء حرصت، "على الأقل" هذه السنة، على أن تنشر تقاريرها الفصلية في موعدها. وبررت الإدارة هذا التأجيل بأن جمع المعلومات حول بعض مكونات المؤشر تَطلّب وقتاً إضافياً على غير المعتاد. ويقول مدير الاستثمارات في شركة "Loko-Invest" ديمتري باليفوي، بأنه لا يتذكر سابقة أجلت فيها إدارة الإحصاء المركزي نشر المعطيات عن المداخيل الفعلية للروس  .  

ترافقت رسالة بوتين هذه السنة مع تظاهرات مؤيدة للمعارض السجين ألكسي نافالني، شملت عشرات المدن الروسية تقدمتها موسكو وسان بطرسبورغ. ولاحظت BBC الناطقة بالروسية ، أن تعامل الشرطة لم يتميز هذه المرة بالعنف المعروف عنها في التظاهرات السابقة، خاصة في موسكو، التي بلغ المتظاهرون فيها وسط المدينة، حيث كان يعقد اللقاء مع بوتين. وفسر المراقبون هذا الأمر بسعي السلطة لتفادي التأثير السيء لعنف الشرطة على صدى رسالة الرئيس وسط الروس. لكن الشرطة لم "تتساهل" مع التظاهرات في المناطق الروسية الأخرى كما في موسكو ، حيث بلغ عدد الموقوفين  في 97 مدينة حوالي 1786 شخصاً، كان نصفهم تقريباً (806 أشخاص) في سان بطرسبورغ وحدها المدمنة على الإحتجاج. 

في الوضع العالمي، الذي ختم به بوتين رسالته، لم يتطرق إلى حرب تبادل طرد الدبلوماسيين  المستعرة الآن بين روسيا ومعظم دول الغرب، والتي تهدد بشلل عمل السفارات، كما في حال تشيكيا، التي ناشدت الناتو  تقديم المساعدة لسفارتها في "عملها المشلول" في موسكو. كما لم يتطرق أيضاً إلى الشرق الأوسط ككل، وأتى على ذكر سوريا وليبيا في سياق قوله ، بأن روسيا تسعى للمساعدة في تسوية الصراعات الإقليمية واستقرار الوضع في سوريا وإقامة حوار سياسي في ليبيا . 

وجد بوتين في الحديث عن الوضع العالمي  فرصة سانحة لإبراز السوط إلى جانب الجزرة، التي لوح بها في الداخل. فقال، حسب موقع الكرملين الرسمي في النص الذي نشره للرسالة، بأن منظمي أية إستفزازات ضد المصالح الرئيسية لأمن روسيا "سوف يندمون على ما يفعلونه ، كما لم يندموا من قبل". روسيا تريد أن تكون لها علاقات جيدة مع جميع الأطراف الدوليين، حتى مع أولئك الذين "لا تستقيم العلاقات معهم" في الفترة الأخيرة. إلا أن من يعتبر نوايا روسيا الطيبة "ضعفاً أو لا مبالاة"، وهو نفسه يريد تدمير هذه العلاقات مع روسيا، عليه أن يعرف أن رد روسيا سيكون "غير متكافئ ، سريع وقاس" . 

وبعد أن يشير بوتين إلى صمت الغرب بشأن الأنباء عن "محاولة إغتيال" الرئيس البيلوروسي ألكسندر لوكاشنكو وأبناءه (المشتبه بهم اعتقلوا في موسكو)، يقول، ملمحاً إلى مسؤولية الغرب عن هذه المحاولة، بأنه مهما كان الرأي بسياسة الرئيس البيلوروسي، لكن  تنظيم الإنقلابات والقتل السياسي، بما فيه كبار المسؤولين، "أمر قد زاد عن حده وتخطى جميع الحدود". وتحدث عن معلومات لديه تشير إلى أن المشاركين في "المؤامرة" ضد لوكاشنكو كانوا يستعدون لشن هجوم إلكتروني على بيلوروسيا، وتوسع في رسم صورة مأساوية لما كان يمكن أن يلحقه مثل هذا الهجوم من أضرار بالكهرباء والمياه وخدمات الإنترنت في العاصمة البيلوروسية . 

النص الذي نشره موقع "بوتين اليوم" الرسمي في اليوم الذي أذاع فيه بوتين رسالته إلى مجلس الإتحاد، لم يكن يخاطب الغرب بقدر ما يخاطب المعارضين الليبراليين الروس، الذين " نشأوا على القيم الغربية ويشكلون في الحقيقة "طابوراً خامساً"، برأيه. النص الذي لم يوقع بإسم كاتب معين، يمثل في حقيقته مناظرة مع ألكسي نافالني والمعارضة "الطامحة لإحلال" أي كان" محل بوتين". ويقول بأنه لا يخشى الكلمات التي سطرها في العنوان "في بوتين ـــــ في سلام ، ما في بوتين ـــــ ما في سلام"، لأن "معارضينا الليبراليين" هزئوا بما عرضه بوتين من أسلحة جديدة خلال رسالته المماثلة العام 2018، وقالوا بأنها "أفلام كرتون"، في حين أصيب الناتو بالذهول وهو يدرك أنه ليس في الأمر خداع.

وبعد تأكيده على أن الكتاب السياسيين والخبراء الغربيين والروس ينتظرون ما سيقوله بوتين في كل رسالة دورية إلى مجلس الإتحاد، يقول النص بأن روسيا تُتهم بشتى أنواع الجرائم، وتدفع الولايات المتحدة الرئيس الأوكراني لإشعال حرب في الدونباس، ويحاولون إشعال الوضع في كل الإتجاهات حولها. ويقول "لا يكفينا" كل هذا، بل وتطل برأسها الشريحة الليبرالية المعارضة، ذلك الجزء من المجتمع الروسي الغريبة عليه كلمات مثل "حب الوطن" و"التضحية بالذات"، والذي لا يبالي لا بالبلد ولا بالشعب. وهم لا يريدون أن يكونوا روساً، ويعتبرون أنفسهم "أبناء العالم"، ويقولون بأنهم لن يحاربوا من أجل "روسيا بوتين" والأوليغارشيين، بل كل ما يريدونه هو الحصول على الكثير من النقود، "وأن يحصلوا عليها، لا أن يستحقوها بالعمل" .

يستطرد النص طويلاً في هذا الهجوم ــــ المناظرة مع  المعارضة الروسية الليبرالية "المنخرطة في كل هذا التآمر على روسيا"، والذي على بوتين مواجهته والدفاع عن روسيا في الحروب عليها، والحفاظ على أمنها وعلى السلام في العالم ، مما يبرر عنوانه "في بوتين ـــ في سلام ، ما في بوتين ما في سلام" . 

والسؤال الذي يفرض نفسه: أين يفترق كلام نص موقع "بوتين اليوم" عن ما يقوله ويرتكبه الأسد في تبرير شعاراته "الأسد أو لا أحد" واشتراط وجود سوريا بوجوده"سوريا الأسد" ؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها