الإثنين 2021/03/29

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

نظرة حسد لبنانية.. الى ليبيا

الإثنين 2021/03/29
نظرة حسد لبنانية.. الى ليبيا
increase حجم الخط decrease
لم يكن أحد يتصور أن تثير التجربة الليبية المتواضعة، والمتعثرة، الحسد. ولم يكن أحد يتخيل ان يكون الاشقاء الليبيون محظوظين الى هذا الحد، في التدخل الدولي الذي وضعهم على سكة الاستقرار والخروج من مأزق الثورة التي إستحالت حرباً أهلية كادت تؤدي الى تفكيك وحدة ليبيا وتمزيق شعبها وإغراقه في الفراغ والفوضى، على ما هو حاصل في سوريا واليمن ولبنان وحتى العراق.

لم تستعد ليبيا هدوءها الكامل وعافيتها المنشودة. ما زال الطريق طويلاً. لكن السلاح صمَت تقريباً، والسياسة تعمل بشكل طبيعي نسبياً، والأشقاء الليبيون على إختلاف إنتماءاتهم وأهوائهم يتطلعون للمرة الاولى منذ عشر سنوات الى المستقبل بأمل.. فالمجتمع الدولي يتدخل في التفاصيل الليبية الصغيرة، ويراقب أداء جميع القوى السياسية-العسكرية، ويضعها أمام إمتحان يومي، ويقيس مدى إلتزامها وجديتها في الالتزام بخريطة الطريق التي شكلت حكومة وحدة وطنية وحددت مواعيد لانتخابات رئاسية ونيابية.. وخططاً لإدارة قطاع النفط الحيوي، تمهيداً للشروع في عملية إعادة الاعمار.

بديهي القول ان النفط الليبي سبب رئيسي للتدخل الدولي ولنجاحه، حتى الآن، وكذلك الامر بالنسبة الى الثروة الليبية التي تجتذب العالم أجمع، وتثير صراعاً أوروبياً داخلياً لاسيما بين إيطاليا وفرنسا، وتنافساً حاداً بين اوروبا الغربية وبين كل من روسيا وتركيا اللتين تسللتا، بدرجات متفاوتة الى العمق الليبي، وشرعتا في التنازع على حصصهما، في تكرار شبه حرفي للسيناريو السوري، في ظل موقف اميركي مراقب، يطالب بدور ليس له قوة تأثير حاسمة على الارض.

بالطبع، كان الفصل الاخير من الدراما الليبية الذي يعد بخاتمة سعيدة، مكوناً من وقائع متعارضة، أهمها حماقة بعض العرب، لاسيما دولة الامارات ومصر ومعهما روسيا، في الرهان على اللواء خليفة حفتر للإنقلاب على أصل الثورة الليبية والسعي لإحياء نظام معمر القذافي، ما دفع تركيا الى التدخل العاجل للدفاع عن موقعها الليبي، ولاعادة الأمور الى توازنها على المستويين العسكري والسياسي، والعمل على إستبعاد العبث الفرنسي بموازين القوى الليبية، وهو ما مهّد في نهاية المطاف الى الحل الداخلي، الذي يعطل الى حد بعيد تلك الحماقات العربية والروسية، وإن كان لا يلغيها نهائيا.

في المحصلة الاخيرة، تبدو التجربة الليبية نموذجية، وإن لم تكن مثالية: الآن هل سيعمد المجتمع الدولي الى تعميم هذا النموذج على بقية البلدان العربية التي تواجه مخاطر شبيهة بتلك التي واجهتها ليبيا في سنوات ما بعد القذافي، عندما غرقت في دماء أبنائها وتعرضت لإستباحة اقليمية ودولية واسعة النطاق، كانت تستهدف نفطها وثروتها وبرنامجها لإعادة الاعمار الذي يقدره الاتراك والايطاليون بما يزيد عن 120 مليار دولار أميركي.

القول ان ما يصح في ليبيا، يصح في سوريا واليمن ولبنان والعراق..يعبر عن رغبات أكثر مما يعبر عن حقائق. والحالة الليبية، سواء الثورة نفسها وبداياتها الواعدة، أو طبعا النهايات المستعادة أخيراً، تتمتع بخصوصيات فريدة لا يمكن العثور عليها في أي بلد عربي آخر. لكن سلوك المجتمع الدولي، كان حتى الآن إنتقائياً جداً، ومبنياً على إنحيازات وتنافسات حادة ومتسرعة. هنا لا يمكن الحديث مثلا عن تفاهم اميركي روسي أسفر عن خريطة طريق ليبية طموحة، كما لا يمكن الحديث عن توافق أوروبي – أوروبي أسهم في صياغة تلك الخريطة، كما لا يمكن العثور على دليل على تقاسم روسي تركي شبيه بذلك المعتمد في سوريا. السلوك الروسي في ليبيا كان، وربما لا يزال، يحاول التسلل كشريك في المغانم وفي العقود الموقعة مع نظام القذافي. والسلوك التركي، الذي كانت مغامرته الليبية منذ البداية، حافزاً للحل السلمي، لم يلتزم بالضوابط والقيود التي فرضت في سوريا.

هل يمكن أن يكون اليمن هو النموذج المقبل؟ هذا ما توحي به الوقائع الاخيرة للحرب، والمبادرة السعودية الاخيرة لوقفها، والتي لن يستطيع الحوثيون رفضها طويلاً، كما لن تتمكن إيران من عرقلتها كثيراً..خاصة وأن أميركا لا تواجه منافسة من أحد في مساعيها لتفكيك ألغام تلك الحرب المدمرة وإزالة أعبائها الانسانية القاسية.

المهمة ستكون سهلة في اليمن، أكثر بكثير من سوريا، التي كانت ولا تزال تنشد مثل هذا التدخل لإنهاء حربها، لكنها تواجه عقبة عملية غير موجودة في أي بلد عربي آخر، هي ان النظام السوري لم يسقط، ولن يسقط إلا بتفاهم أو تواطؤ أميركي روسي، وشراكة تركية فعلية، ومراجعة إيرانية جدية للعلاقة مع سوريا ونظامها، والحصة التي ستنالها من النظام الذي سيخلفه.. وهي مستحيلات، لا يلوح في الافق ما يسمح بتخطيها، أو على الاقل يتيح وقف الحماقات العربية التي ساهمت في إطالة أمد الحرب السورية عشر سنوات كاملة.  

ربما يكون لبنان هو النموذج المقبل، والممكن، ما يضع حداً لتلك المفارقة المثيرة للسخرية: طالب بعض اللبنانيين بتدخل دولي، فكان التدخل من نصيب ليبيا.. وبات الأمل الأخير للبنان في أن يتجرأ المجتمع الدولي فقط على فرض عقوبات قاسية وعزلة تامة على المسؤولين اللبنانيين الذي يجاهرون يومياً بعدائهم وإزدرائهم لبلدهم وشعبهم، ولا يبدون إستعداداً للسير على خطى الأشقاء الليبيين. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها