الثلاثاء 2021/03/30

آخر تحديث: 07:44 (بيروت)

مساع روسية لمساعدة لبنان؟

الثلاثاء 2021/03/30
مساع روسية لمساعدة لبنان؟
increase حجم الخط decrease
حافظ لبنان على موقعه بين الدول المهددة بالجوع الشامل ، كما جاء في تقرير الفاو ومنظمة الأغذية العالمية ، الذي نُشر الثلاثاء الماضي في 23 من الجاري ، وتضمن قائمة من 20 بلداً من بينها لبنان وسوريا في المنطقة .  وغاب عن القائمة هذه المرة إسم العراق ، الذي كان قد ذُكر في سابقتها ، التي تضمنت 27 بلداً ، ونشرت في تموز/يوليو المنصرم . لم يكن أحد ليتوقع في ظل الوتيرة المتسارعة للإنهيار الشامل، أن يغيب لبنان عن قائمة الجوع في العالم مهما تضاءلت ، بل يشي ما نحن فيه اليوم ، بأن نصبح إلى جانب اليمن وجنوب السودان ، حيث بعض السكان مهددين "بأن يصبحوا ، إن لم يكونوا قد أصبحوا ، على حافة الموت جوعاً" حسب التقرير .
 

في خريف العام 2018 عُقد في جامعة الكسليك مؤتمر لمؤرخين لبنانيين وأوكران ، تحدثوا فيه عن "الجوع العظيم" في جبل لبنان في الأعوام 1914 – 1918 ، الذي قضى على نصف سكان المتصرفية ، والإبادة الجماعية "الموت جوعاً" في أوكرانيا في الأعوام 1932 – 1933 ، وذهب ضحيتها حوالي 5 ملايين إنسان . من كان ليظن في ذلك الخريف ، أن اللبنانيين سيعودون للحديث عن الجوع ليس كتاريخ ، بل كواقع يهددهم بالوقوف "على حافة الموت جوعاً" ، في ظل الدائرة المقفلة ، التي يدور لبنان داخلها ، دون بصيص أمل بكسرها من الداخل ، بل على الرجاء بالتفات الخارج إلى ما هم فيه من مأساة يغرقهم فيها خارج آخر ، جعلهم خلال سنة "يستبدلون النضال من أجل الحرية بالنضال من أجل البقاء على قيد الحياة" ، حسب موقع أسبوعية "Expert" الروسية الرصينة . 

في إطار جس نبض أي خارج معني بالمأزق اللبناني ، توجهت "المدن" إلى صحف وكتاب سياسيين روس ، او مقيمين في روسيا ، بسؤال ما إن كان بوسع روسيا ، التي تحرص على تقديم نفسها كوسيط في صراعات الشرق الأوسط ، أن تساعد لبنان في الخروج من أزمته وتشكيل حكومة جديدة . 

الكاتب السياسي في غير صحيفة روسية ، والسفير الفلسطيني السابق في موسكو المقرب من دوائر وزارة الخارجية الروسية رامي الشاعر ، قال ل"المدن" ، بأن "مصادر موثوقة" أكدت له بأنه "سوف تجري لقاءات على مستوى رفيع مع مسؤولين لبنانيين قريباً في موسكو" ، وبأن الطريق سوف تكون مفتوحة ، بعد قيام حكومة جديدة في لبنان ، لمفاوضات إقتصادية شاملة تتطرق إلى ملف الطاقة . 

كلام الشاعر هذا جاء في سياق الرد على سؤال "المدن" أعلاه   حيث قال ، بأن كثيرين يتساءلون عن السبب في عدم مساعدة روسيا لسوريا ولبنان في تجاوز أزماتهم ، "بينما يؤكد البعض لي" أن مفتاح حل الأزمة السورية بيد موسكو، في الوقت الذي ترتبط فيه أزمة لبنان بحل الأزمة السورية. ويقتنع هؤلاء بأن هذا هو مفتاح الحل الذي سيخلق وضعاً دولياً جديداً، ينهي العقوبات الاقتصادية، ويحل مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان، الذين يشكّلون عبئاً كبيراً على لبنان، و"يفتح إمكانية قيام الدول الراغبة بمساعدة لبنان القيام بذلك باطمئنان، ويسهّل مهمة المؤسسات الاقتصادية الدولية وسائر الهيئات التابعة للأمم المتحدة للقيام بواجبها بما ذي ذلك أيضاً صندوق النقد الدولي" . 

موقف روسيا من الأزمة اللبنانية واضح، برأيه ، ويعود حل هذه الأزمة بالدرجة الأولى إلى اللبنانيين أنفسهم. وقد أعلنت موسكو في أكثر من مناسبة أنها "تؤيّد تشكيل حكومة اختصاصيين، وتكليف الرئيس ميشال عون لسعد الحريري بتشكيل هذه الحكومة"، كما تدعم روسيا جهود الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، من خلال مبعوثه الشخصي للبنان .  وتجري موسكو اتصالات مع جميع القوى اللبنانية المختلفة تشجيعاً منها على توحيد كل الإمكانات للإسراع بتشكيل هذه الحكومة، و"التجاوب مع توصيات صندوق النقد الدولي".  كما تعمل موسكو أيضاً بالتوازي على عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وتناقش مع جميع الدول العربية مسألة ضرورة دعم ومساعدة لبنان مادياً، كي يتمكن من تجاوز أزمته الاقتصادية.

ويقول الشاعر ، بأن موسكو تسعى كذلك إلى إعادة الأجواء الطبيعية بين الدول العربية، وتفعيل دور جامعة الدول العربية، لما يمكن أن تلعبه الجامعة في قضية لبنان وقضايا الدول العربية كافة . كما تقف موسكو في جميع المحافل الدولية إلى جانب لبنان في الحفاظ على سيادته واحترامها، واستعادة كامل أراضيه، و"عدم القبول بأي ترسيم للحدود مع إسرائيل على حساب ذلك".

واختتم الشاعر رده بالقول ، أن موسكو تبذل قصارى جهودها الدبلوماسية يومياً في جميع الاتجاهات، وسوف تجري لقاءات على مستوى رفيع مع مسؤولين لبنانيين قريباً في موسكو. و"خلافاً لذلك لا أرى أي إمكانيات أخرى لمساعدة لبنان".


صحيفة "Novaya" الروسية الليبرالية المعارضة ، وفي الرد على سؤال "المدن" ، الذي حرره مراسلها الخاص في الشرق الأوسط وديع الحايك ، قالت  بأن روسيا هي الآن في صدد "تسوية في المنطقة ككل ، وبالتحديد بين سوريا ولبنان وإسرائيل" . وفي هذا الإطار جاء لقاء منصة أستانة الأخير في سوتشي الشهر المنصرم ، حيث كان الجانب الروسي "حازماً في موقفه" من الحرب السورية لجهة إنهاء الصراع العسكري ، و"إطلاق الحل السياسي عبر اللجنة الدستورية" . وتؤكد ، أنه في الإطار نفسه ، جاءت دعوة وفد حزب الله إلى موسكو ولقاء الحريري بوزير الخارجية لافروف في الإمارات .

وتقول الصحيفة ، أنه بالنسبة لروسيا ، سعد الحريري هو رئيس الحكومة القادم و"تضع ثقلها خلفه" ، وهذا ما سمعه وفد حزب الله في موسكو . وتؤكد ، أن روسيا "لا يمكنها اجتراح المعجزات" ، وتعنت جبران باسيل وإصراره على الثلث المعطل لم يشكل مفاجأة للكرملين ، إذ أن الرئيس بوتين "يعرف جيداً نوايا باسيل" ، وهو"غير محبوب أصلا" في موسكو لقيامه بتخطي الأعراف الدبلوماسية غير مرة ، وذلك بتجاهل السفارة اللبنانية في موسكو ، والإستعاضة عن ذلك بإيفاد (النائب) السيد أمل أبو زيد "لتمرير أجندات باسيل الشخصية" . 

وتقول الصحيفة ، بأن موسكو "الممتعضة من سلوك باسيل" دخلت على خط أزمة تأليف الحكومة من باب حزب الله "المأزوم جداً" في سوريا . لكن خطاب الأمين العام للحزب بعد زيارة وفده إلى موسكو "قد يكون نسف المبادرة الروسية عمداً"، إذ أنه  يعرف جيداً ، برأي الصحيفة ، أن "صبر سيد الكرملين قصير" ، وأن مبادرته تأتي "مرفقة بتاريخ إنتهاء صلاحيتها" . 

وتختتم الصحيفة نصها بالقول ، أن بوتين "لن يخضع لإبتزاز حزب الله" ، الذي يستخدم الورقة اللبنانية "للمساومة على ما تبقى له من وجود في سوريا" . 

الكاتب السياسي والمعلق في وكالة نوفوستي بيتر أكوبوف ، وفي رده على سؤال "المدن" قال ، بأن إستقرار الوضع في لبنان وخروجه من أزمته "مهم جداً بالنسبة لنا"  ، وليس للعلاقة الوثيقة بين لبنان وسوريا ، بل "للعلاقات المزمنة الوثيقة" مع مختلف القوى السياسية في لبنان . وروسيا هي الوحيدة بين "الدول العظمى" ، التي على علاقة وثيقة مع القوى المتصارعة في لبنان ، وفي طليعتها الحريري وحزب الله . وهي على تواصل مع جميع الفئات من الطوائف واليمين واليسار ، ومع من هم" مع سوريا ومن هم ضدها". 

لكن ، وخلافاً لفرنسا وأميركا والدول الأخرى ، ليس لروسيا في لبنان فئة واحدة "مفضلة ، تراهن عليهاً وحدها"، ولذلك بوسعها التخفيف من حدة التناقضات ، وأن تكون "نوعاً من وسيط وضامن" لحل وسط . لكن ليس بوسعها ، على قوله ، أن تكون "لبنانية أكثر من اللبنانيين" ، وأن تحل محل اللبنانيين في تذليل خلافاتهم ، بل بوسعها مساعدتهم للإتفاق في ما بينهم "إن كانوا هم مستعدين فعلاً" لذلك ، وليس على تشكيل حكومة جديدة فحسب ، بل وعلى "هيكلية جديدة" للنظام السياسي في لبنان ، "الذي عفا عليه الزمن" . 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها