الأحد 2021/02/28

آخر تحديث: 17:36 (بيروت)

حياد بكركي..وخيار لبنان النووي

الأحد 2021/02/28
حياد بكركي..وخيار لبنان النووي
increase حجم الخط decrease
فاق التجمع ما كان متوقعاً. لم يجر تقدير العدد الفعلي، على ما درجت العادة، لكنه قارب الالاف، وفاض على أعداد الكراسي البلاستيكية البيضاء التي وزعت، بالتباعد، في ساحة الصرح البطريركي، وتجاوز بما لا يدع مجالا للشك حجم مختلف التظاهرات التي تشهدها العاصمة بيروت أو طرابلس، هذه الايام.

لكن هذا العدد المفاجىء، كان أقل بكثير من الحمولة السياسية الضخمة التي يرفعها، والتي كانت، في الحد الادنى، تتطلب حضور نصف مليون مواطن ومواطنة، لكي تدق أجراس الانذار في دوائر السلطة ومؤسساتها وأحزابها، ولكي تسارع السفارات العربية والاجنبية الى كتابة تقاريرها العاجلة عن الحدث الاستثنائي.. ولكي تبادر عواصم تلك السفارات وحكوماتها الى الرد على الاتصالات الهاتفية الواردة من لبنان، ولا تقفل الخط في وجه أي متصل لبناني كما هو شائع منذ مدة.
 

مهرجان سياسي متواضع، محدود الأثر، لعله بداية مسار ، او حركة، او لقاء دوري جديد. لكن لحظة التأسيس لم تكن واعدة. هي عبرت عن أزمة حقيقية داخل الصف الوطني عامة، والصف المسيحي والماروني بشكل خاص، عن إنقسام حاد بين الحزبين الكبيرين.. حبذا لو كان بامكان البطريركية المارونية ان تنهيه، حتى لا يتعمق ويتفجر مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية والرئاسية. كان هذا هو الرجاء المضمر، الذي يبدو ان البطريرك بشارة الراعي يئس من طلبه والسعي اليه، فقرر ان يطل بنفسه من نافذة الصرح، ليحسب عدد التواقين الى بديل ثالث.

لولا الاختراقات الحزبية للتجمع، والتي جاءت كما يبدو لإحتضان بكركي وإحتوائها، أو ربما للالتحاق بها، لأمكن الزعم ان المتجمعين جاءوا لمناشدة البطريرك الراعي بأن يتجرأ في السير على خطى سلفه الراحل البطريرك نصر الله صفير.. ويسد مساحة الفراغ والصراع بين القوات اللبنانية وبين  التيار العوني، ويستوعب أولئك الواقفين في الوسط، الذين نزلوا الى الشوارع في ثورة 17 تشرين الاول العام 2019، لكنهم عادوا منها خائبين، ثم خرجوا الى الساحات في اعقاب انفجار المرفأ في 4 آب الماضي، لكنها عادوا منها محطمين.

 لم يظهر ان التجمع هو ذلك البديل الثالث، هو "قرنة شهوان" الثانية، التي تتشكل حول البطريرك الراعي، فتشجعه وتتشجع منه، وتخوض معه معركة جديدة دفاعاً عن مكانة البطريركية المارونية ودورها في تمثيل الطائفة ونقل مطالبها. ولم يظهر طبعا، ان التجمع هو المنصة الجديدة التي يلتقي حولها معارضون مسيحيون ومسلمون، سبق ان تجاوزوا هوياتهم الدينية، أو إدّعوا ذلك، وكانوا يبحثون عن مظلة تحميهم، من التصفية والاغتيال.

لم يكن من المتخيل ان تصبح ساحة بكركي مثل ساحة الشهداء في بيروت او ساحة النور في طرابلس، وتكون على موعد أسبوعي مثلا، مع الحشود الشعبية التي تجمعت بشكل عفوي في المدينتين، وفي مختلف المدن الكبرى، قبل عام وأكثر، لكنها أبعدت من الساحات بالتهديد الامني، أو المالي او المعيشي او الطائفي والمذهبي.. فذلك الدور ليس من تاريخ بكركي، ولا من لاهوتها، ولا من صفات بطريركها الحالي، الذي كان (ولا يزال) يمكن له ان يحتضن الثورة الشعبية ليصنع مجداً إستثنائياً حقيقياً للكنيسة المارونية، يرتقي بدورها التأسيسي للبنان، ويتناغم مع "يسارية" مرجعيتها الروحية المتمثلة في الفاتيكان والبابا فرنسيس تحديداً، ومع ريادة الكنائس الكاثوليكية في معظم دول اميركا اللاتينية التي قادت ولا تزال معارك الحرية والسيادة و المساواة والعدالة الاجتماعية.

أما الحياد والمؤتمر الدولي اللذين ينشدهما البطريرك الراعي، فكلاهما حلم بعيد، وخيال ناءٍ، لا يمت بصلة الى الواقع العربي والدولي الذي يفترض ان يصدق ذلك الحلم ويحققه.. ولا يعبر عن طبيعة القرية اللبنانية التي كانت فولكلوراً  فصارت حقيقة راسخة، لا يريد أحد من خارجها أن يسمع أخبارها، ولا أن يتلقى أي إتصال هاتفي منها.. قبل ان تنتهي حرب الالغاء السياسي الراهنة داخل حارة المسيحيين أنفسهم، ثم بين تلك الحارة وبين حارتي المسلمين السنة والشيعة..مهما إتخذت مثل هذه الحرب طابعاً نووياً ملفقاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها