الأحد 2021/02/28

آخر تحديث: 07:48 (بيروت)

حوار لا تفاوض بين أميركا وإيران

الأحد 2021/02/28
حوار لا تفاوض بين أميركا وإيران
increase حجم الخط decrease
يمكن القول ان مهلة الاشهر الثلاثة التي تم الاتفاق عليها في التفاهم الذي حصل بين الحكومة الايرانية ومدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي خلال زيارته الى طهران في  20 و21 شباط 2021، حول مصير ارشيف كاميرات مراقبة المنشآت النووية، هي المحطة الاهم في هذه الزيارة، لانها ساهمت في تأجيل اشعال فتيل تفجير الازمة بين طهران والمجتمع الدولي وما يمكن ان يرافقها من تطورات وتداعيات، وفتحت الباب امام دور ثنائي للوكالة الدولية والاتحاد الاوروبي للبحث عن مخارج للشروط المتبادلة بين واشنطن وطهران حول الجهة التي يجب ان تقوم بالخطوة الاولى لاعادة تفعيل الاتفاق النووي. 

مقترحات متعددة تهدف للمساعدة في تذليل العقبات امام التوصل الى حل لهذه المعضلة، قدمها اعضاء في السداسية الدولية خاصة الشريك الروسي الذي دعا الى عودة متزامنة للطرفين الى طاولة التفاوض في اطار مجموعة 5+1 تترافق مع اعلان تخلي الطرفين، الامريكي عن العقوبات "الترمبية"، والايراني عن خطوات تقليص التزاماته النووية. الا ان المحطة الاهم في هذا السياق تبقى الجهود التي يبذلها منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزب بوريل لتسهيل عقد جلسة بين ايران ومجموعة 4+1 بمشاركة امريكية كضيف او مراقب، بحيث تفتح الطريق امام حوار غير رسمي بين الطرفين لازالة العقبات والخلافات حول مختلف الملفات خصوصا ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي وتوسيع دائرة الدول المشاركة، قبل العودة الى الاتفاق النووي. 

بموازاة هذه الجهود، فان حكومة حسن روحاني وبضوء اخضر من المرشد الذي يمسك بالقرار الاستراتيجي للنظام، تبدي ايجابية واضحة للتجاوب مع هذه الجهود، خاصة وانها استطاعت الحصول على تفويض واضح وعلني من المرشد للتفاهم مع غروسي حول بروتوكول التفتيش المباغت على حساب البرلمان، وكذلك في عدم ابداء اي ممانعة بالصيغة التي اقترحها بوريل لاجتماع محموعة 5+1 غير الرسمية، الا انها في المقابل، رفعت سقف التشدد وتهديد الترويكا الاوروبية بخطوات اكثر تصعيدا في حال دفعت لاصدار بيان عن مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتهمها فيه بانشطة ذات طابع عسكري او خرق الاتفاق، والذي تعتبره طهران تخلياً من هذه الدول عن الاتفاق والخروج منه وعليه. 

على الرغم من رغبة روحاني وفريقه بالوصول الى نتائج عملية خلال الاشهر الثلاثة المقبلة، تتجاوز النافذة الصغيرة التي قد تسمح بها واشنطن بتحرير جزء من الارصدة الايرانية المجمدة في الخارج، خاصة في كوريا الجنوبية لتلبية بعض الاحتياجات الانسانية والطبية، وتسهيل عملية التفاوض مع البنك الدولي حول القرض الذي سبق ان طلبته هذه الحكومة لمساعدتها في مواجهة تداعيات جائحة كورونا. يبدو ان الطرفين المعنيين بالازمة، اي النظام الايراني والادارة الامريكية غير متعجلين في التوصل الى تفاهم سريع. ويتفقان ضمنا على تأجيل اي اتفاق او تفاهم عملي لاتضاح صورة الانتخابات الرئاسية الايرانية التي من المفترض ان تجري في 18 حزيران المقبل. 

فمن جهة، التريث الامريكي في حسم الموقف من الاتفاق النووي والازمة مع ايران مرده الى عدم وجود ضمانات بالتزام طهران بما سيتم الاتفاق عليه مع هذه الحكومة، وهي وان كانت تعتبر ان اي تفاهم او اتفاق مع طهران سيكون اتفاقا بينها وبين المرشد، الا انها ترجح التعامل مع حكومة جديدة قادرة على تنفيذ تعهداتها بعيدا عن مخاطر التعطيل، لانها وحسب التقديرات الامريكية والايرانية ستكون ممثلة لتيار السلطة والنظام وتحت سيطرة التيار المحافظ، الجهة الاكثر قدرة على تنفيذ اي اتفاق من دون معوقات او عراقيل قد يواجهها اي مرشح من المعسكر الاخر الاصلاحي والمعتدل.
 

ومن جهة اخرى، فان مراكز القرار في طهران، لن تمانع في فتح المجال امام روحاني وفريقه لبذل ما يستطيعون من جهود في تذليل الكثير من العقبات، وهذا ما ظهر في موقف المرشد الذي انحاز لروحاني وحكومته في التفاهم الذي توصلت له مع الوكالة الدولة على حساب البرلمان المحسوب عليه وعلى فريقه، على قاعدة التعامل مع اي ايجابية دولية في الملف النووي لكن تحت السقف الذي حدده والشروط التي اعاد التأكيد عليها بالغاء العقوبات اولا قبل العودة الى تنفيذ تعهدات الاتفاق النووي.

فتحُ المجال لروحاني وفريقه لا يعني امتلاكهم القدرة على بلورة هذه التفاهمات كنتائج عملية وتنفيذية تعزز من مواقعهم في القرار السياسي او التأثير على مخططات النظام في ما يتعلق بالعملية السياسية، وخاصة وان التعامل مع الحكومة في الاشهر الاخيرة من عمرها كحكومة انتقالية، تمهد الطريق امام الرئيس الجديد الذي سيكون من حصة المعسكر المحافظ في قطف الثمرة النهائية لهذه الجهود. 

الادارة الامريكية بقيادة الرئيس جو بايدن قد لا تكون على عجلة من امرها في حسم الملف الايراني اكثر من طهران، فهي بدأت عمليا في تفكيك الملفات والازمات الاقليمية التي تشكل مساحة للنفوذ الايراني، خاصة في العراق الذي تسعى لتحييده كساحة اشتباك، من هنا جاء اختيارها لمواقع فصائل الحشد الشعبي العراقي داخل الاراضي السورية للرد على الاعتداء الذي استهدف قاعدتها في مطار اربيل مركز اقليم كردستان. وتعمل في اليمن على تفعيل عملية الحل السياسي بالشروط اليمنية وبما لا يشكل تهديدا للمصالح السعودية في اي حل قد يتم التوصل اليه. وهي بذلك ترمي الكرة في الملعب الايراني، الذي سيكون عندها امام واحد من خيارين، اما القبول بخفض سقف توقعاته وشروطه، واما الذهاب الى التصعيد المفتوح على جميع الاحتمالات. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها