الجمعة 2021/02/19

آخر تحديث: 18:16 (بيروت)

العودة لـ16 تشرين

الجمعة 2021/02/19
العودة لـ16 تشرين
increase حجم الخط decrease
لا يُوحي الانكماش السياسي في لبنان بأي انفراجة قريبة على المستوى الحكومي، رغم التحركات الإقليمية الإيجابية الطابع بالنسبة للطبقة السياسية هنا. ذاك أن الطبقة السياسية اللبنانية ليست بوارد التراجع عن حقوقها المكتسبة في هذا العقد الاجتماعي المختل والمفروض من فوق على الناس.

لكن كيف بإمكاننا قراءة التحولات الإقليمية وانعكاساتها على المشهد الداخلي؟

أولاً، على المستوى الإيراني-الأميركي، تبرز قراءتان للمشهد. الأولى ترى أن الطرفين الإيراني والأميركي اتفقا في جلسات بوساطة أوروبية (أحدها كان في فيينا)، على النقاط الأساسية، وأن تعاون طهران في الملف اليمني جانب من هذا المسار الذي يُفضي في نهاية المطاف الى رفع العقوبات والعودة لبيع النفط في الأسواق العالمية.

هذه القراءة، أي أن الصفقة منتهية ومتقدمة، ويلتقي شقها اليمني (مفاوضات ووقف للنار) مع الملف اللبناني (تأمين الغطاء الإقليمي لرزمة انقاذ محلية). طبعاً، في هذا السياق، يربط بعض الساسة اللبنانيين، وأغلبهم في 8 آذار أو على تماس معها، بين هذه الرزمة المالية، وإعلان انتصار غير معلن لـ"حزب الله" وحلفائه والمتصالحين معه (وهم الطبقة السياسية برمتها، مجموعة واحدة بصور مختلفة)، كون التنظيم لم يُسلم أوراقه مبكراً، ولم يتراجع على المستوى السياسي.

وفقاً لهذا التحليل، ستُشكل الحكومة وفقاً للإطار الذي وضعه الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، أي من خلال رفع عدد أعضائها من 18 إلى 22 لتمثيل عدد أكبر وفك عقدة تمثيل التيار الوطني الحر، كمّاً ونوعاً. وبعد التشكيل، ستشهد الساحة السياسية انفراجاً مع حضور رزمة مساعدات إقليمية تُساعد على خفض قيمة الدولار في السوق، والتخفيف من التضخم، على أن تترافق مع "إصلاحات" على شاكلة رفع الدعم (وهو حاصل حكماً) وبعض القوانين لمكافحة الفساد وتشكيل هيئات ناظمة (كلها إجراءات شكلية على الورق لن ترى النور). 

ولو جمعنا بين هذه "الانفراجة" من جهة، وبين تصفية التحقيق في انفجار المرفأ ورفع منسوب قمع الناشطين وتأجيل الانتخابات الفرعية وبعدها التشريعية والرئاسية، من جهة ثانية، نكون أمام إعادة تعويم للطبقة السياسية برعاية فرنسية، وعلى وقع العودة الأميركية للاتفاق النووي الايراني.

لكن هناك قراءة ثانية للوضع الإقليمي، أكثر نقدية لما سبق. ذاك أن العودة الأميركية للاتفاق النووي لم تحصل، رغم بعض البوادر الإيجابية والمساعي الأوروبية في هذا المجال. هي في أحسن الأحوال في بدايتها ومؤجلة، ولا بد أن تستغرق شهوراً لا تخلو من المطبات على الاطلاق، كما حصل في اعتداء أربيل أخيراً. 

والواقع أن العودة الأميركية للاتفاق، لو حصلت بهذه السرعة المرجوة، لا تعني انفراجة في علاقات لبنان مع الإقليم العربي الذي بات اليوم يتمتع باستقلالية في قراره السياسي، وما زال رافضاً لأي رزمة انقاذ مالية. مثل هذا التطور بعيد المدى وأكثر بطئاً من الانهيار اللبناني المتسارع. أي أن التحرك الداخلي وفقاً للمبادرة الفرنسية بشروطها الحالية سيسبق أي تقدم.

طبعاً، هذه القراءة محصورة اليوم ببعض الشخصيات التي تتمتع بقدر من المنطق والاتصال بالعالم الخارجي. وهي أيضاً سائدة على مستوى المعنيين بالمبادرة الفرنسية، ذلك أن فرنسا معنية بإدخال لبنان ونظرتها للحل فيه، في أي اتفاق مع إيران على مناطق نفوذها.

لكن هناك إفراطاً في تفاؤل المسؤولين اللبنانيين، وهو وراء محاولتهم إعادة الواقع لما قبل انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، إلى زمن التسويات المحلية والافلات من العقاب والقمع. ذاك أن الرهان على الخارج، ولو كان في غير محله، دوماً يتقدم على التنازلات الداخلية. ولكن ربما بات على اللبنانيين أن يتخيلوا قادتهم دوماً من منظارهم لأنفسهم، أي بصورتهم الأصلية: مجموعة أوراق على طاولة مفاوضات أميركية-إيرانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها