الأحد 2021/02/14

آخر تحديث: 07:48 (بيروت)

سوريا ومؤشرات التفاهم الايراني الامريكي

الأحد 2021/02/14
سوريا ومؤشرات التفاهم الايراني الامريكي
increase حجم الخط decrease
الموقف غير المتساهل الذي اعلنه الرئيس الامريكي جوزيف بايدن من موضع العقوبات الايرانية التي سبق ان فرضها سلفه دونالد ترامب، كبح الاندفاعة المزدوجة في واشنطن وطهران حول امكانية اتخاذ خطوة سريعة على هذا المسار تعيد فتح المجالات امام انطلاق حوار ثنائي حول مختلف القضايا المطروحة على جدول التفاوض.
 

لا شك ان اوساطا دبلوماسية ايرانية كانت تترقب وترغب بان يكون ملف القرارات التنفيذية  لـ"عقوبات ترامب" من بين ملفات القرارات التي وقّع على الغائها مع بداية دخوله الى البيت الابيض، الا ان موقف الادارة الجديدة، وعلى الرغم من اعلانها النية بالعودة الى الاتفاق النووي، الا انها تبدو غير متعجلة لاتخاذ مثل هذه الخطوة في المدى المنظور ولا تتوقف امام الابواب والنوافذ التي يتحدث عنها رئيس الدبلوماسية الايرانية في الايام الاخيرة وهي ستقفل قريبا ما لم تبادر واشنطن برفع العقوبات قبل العودة الى الاتفاق وبدء مرحلة جديدة من التفاوض بينهما.
 

اوساط سياسية ايرانية قريبة من مصادر القرار، لا تتوقف عند موقف الرئيس الامريكي من العقوبات، وترى انه من المبكر جدا الحديث عن خطوة امريكية في هذا الشأن. الا انها في المقابل تنظر بايجابية لما صدر عن البيت الابيض حول اربع مسائل، الاولى اتفاق السلام في افغانستان والحوار بين طالبان والحكومة في كابول، والثانية هي الازمة اليمنية وسحب الحوثيين عن لائحة الارهاب، والثالثة ما يتعلق بقرار عودة واشنطن لتفعيل دورها في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الانروا"، والرابعة ما يتعلق بالدور الامريكي في حماية آبار النفط السورية. في حين ان مساراً منفصلاً للتفاهم حول العراق بين الطرفين قد بدأ عمليا وتلعب بريطانيا دوراً محورياً عبر سفيرها في بغداد ستيفن هيكي الذي يؤدي دور "الوسيط" بين السفيرين الايراني ايرج مسجدي والامريكي ماثيو تولر في العراق لتقريب وجهات النظر بين البلدين والتأسيس لتفاهمات لا تقتصر على الساحة العراقية. خصوصا وان الحوار حول العراق يقوم على التهدئة وتجاوز الخطوات والاعمال التي قام بها الرئيس السابق دونالد ترامب، والانتقال الى مرحلة يتم فيها التمييز بين الفصائل غير المنضبطة وقوات الحشد، واعتبار العقوبات على رئيس هيئة الحشد فالح الفياض وقائد الاركان ابو فدك المحمداوي قرارات تخص مرحلة ترامب، اي انها قد لا تعني الادارة الجديدة ولا تلزمها باي مفاعيل تترتب عليها، ولا تمنع امكانية الحوار والتواصل مع هذه القيادة من اجل اعادة بناء الدولة العراقية ومؤسساتها.
 

وفي اطار الاستراتيجية الايرانية للرد على اغتيال قائدة قوة القدس الجنرال قاسم سليماني، تأتي مسألة خروج القوات الامريكية من منطقة غرب آسيا على رأس الاولويات، من افغانستان مرورا بالعراق وصولا الى سوريا، من هنا تتوقف الاوساط الايرانية عند قرار بايدن الانسحاب من حماية آبار النفط السورية ما يحمله من تداعيات ترافق هذا القرار على الوضع السوري وما فيه من تحديات للاطراف الروسية والايرانية والتركية المنخرطة فيه خصوصا في منطقتي الشرق والشمال السوري.

لذلك فان القيادة الايرانية تعاملت مع القرار الامريكي حول سوريا بكثير من "الحذر الايجابي"، والذي يأتي في سياق التفاهمات التي تحاول تكريسها مع الحكومة العراقية وما تبذله من جهود لتفعيل الحوار الافغاني بين الحكومة وطالبان، والذي ينقل المواجهة بينها وبين واشنطن في هذه المنطقة من عسكرية الى دبلوماسية، وبالتالي تصبح عملية اخراج القوات الامريكية من منطقة غرب آسيا التي وضعها المرشد الاعلى للنظام الايراني كاستراتيجية عملية "دبلوماسية" بعيداً عن اي عمل عسكري قد يؤدي الى حرب لا يرغب فيها الطرفين.
 

وفي هذا السياق يمكن فهم الرسائل التي حملها رئيس البرلمان الايراني محمد باقر قاليباف الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من المرشد الاعلى والتي وصفت بانها استراتيجية وأكدت على ضرورة التعاون الاستراتيجي بينهما وثبات العلاقة التي تربطهما وعدم تأثرها بأي تطور قد يحصل على مسار الحوار والعلاقة مع الغرب وامريكا. وقد تزامنت هذه الرسالة مع موقف بايدن من سوريا ودور قواته في هذا البلد، وبالتالي فان طهران تسعى لتكريس تفاهم مع موسكو حول تقاسم الادوار على الساحة السورية، وهو الامر الذي بدأت ملامحه بالظهور مع عودة الجانب الروسي للعب دور الوسيط في الحوار بين الحكومة السورية في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية  "قسد" الكردية التي تسيطر على مناطق في الحسكة والرقة وريف دير الزور وريف حلب والقامشلي، تحت سقف عودة هذه المناطق الى سيادة الدولة السورية ورفض مطلب الحكم الذاتي الذي سبق أن أكده وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم وترفضه كل من طهران وتركيا، واندماج القوات الكردية مع القوات النظامية.

وترى طهران ان الحوار الذي ترعاه موسكو بين دمشق وقسد سيشكل نقلة مهمة واساسية في معالجة الوضع الاقتصادي للنظام في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها ادارة ترمب في اطار قانون قيصر، اذ سيعيد السيطرة لدمشق على حقول النفط والحصول على عائداته حتى وان كان في اطار تولي قسد عمليات البيع في المرحلة المقبلة والتي سيحدد مدتها التفاوض حول مرحلة الحل السياسي.
 

ولا تخرج طهران وموسكو من اعتباراتهما وجود لاعبين اخرين على الساحة السورية ، لذلك فهما تسعيان لبناء معادلة تضمن دور وحصة كل من الامريكي والتركي، بما يضمن استعادة النظام لسيادته على كامل الاراضي السورية، وقد لا يتبلور الوصول الى هذه المعطيات قبل الانتهاء من استحقاقين اساسيين للانتخابات الرئاسية في طهران ودمشق، حيث يبدو ان واشنطن تنتظر نتائج انتخابات طهران للانتقال الى المرحلة التالية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها