الثلاثاء 2021/12/07

آخر تحديث: 06:19 (بيروت)

لاجئو سوريا اليوم..وروسيا الأمس

الثلاثاء 2021/12/07
لاجئو سوريا اليوم..وروسيا الأمس
increase حجم الخط decrease

الناشط الروسي من أب سوري وأم تترية أوكرانية (ولد في دمشق وترعرع فيها وفي بيروت، وعايش بداية المأساة السورية وغادر العام 2012 إلى تركيا ثم روسيا) دمتري بريدجيه العضو في حزب "الحرية الشعبية" الروسي المعارض (سُحب ترخيص العمل منه مؤخراً)، رأى أن يبحث مشكلة اللاجئين السوريين من خلال المقارنة بين الحرب الأهلية السورية والحرب الأهلية الروسية إثر إنقلاب البلاشفة على الثورة الروسية الديموقراطية في شباط/فبراير العام 1917. فقد نشر له موقع المجلس الروسي للعلاقات الدولية RIAC  في 17 الشهر المنصرم  نصاً بعنوان "مشكلة اللاجئين على مثال النزاعات الأهلية في روسيا وسوريا". 

للحقيقة كان الأمر مفاجئاً أن بتعرض طالب علوم سياسية في جامعة الصداقة لبحث شائك في المقارنة بين ما يجري في سوريا مطلع القرن الحادي والعشرين وما جرى في روسيا مطلع القرن العشرين. لكن الأكثر مدعاة للمفاجأة كان نشر بحث لمعارض روسي من قبل موقع المجلس الروسي الذي تضم قيادته كبار السياسيين والمحللين الروس ( الناطق بإسم الكرملين دمتري بيسكوف، وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزراء خارجية سابقين). وحقيقة أن الناشط بتدرب على يد المؤرخ الروسي الكبير أندريه زوبوف (كانت له أكثر من إطلالة في "المدن")، نائب رئيس حزب "الحرية الشعبية" يشير إلى نجاح بريدجيه في مهمته.

يقول الناشط بأنه يهدف إلى تحليل الثورة والحرب الأهلية في روسيا (1917ــــــ 1922) و"محاولة الثورة" والحرب الأهلية في سوريا ( 2011 وحتى يومنا هذا)، وذلك لتحديد خصائص كل من "النزاعين الأهليين العميقين" وتبيان المشترك بينهما وما يتفرد به كل منهما، ما يساعد في فهم خصوصيات مشكلة اللاجئين في البلدين. 

نتيجة الإنقلاب البلشفي على الثورة الروسية وإندلاع الحرب الأهلية بين "الروس البيض" و"الروس الحمر" (لا تزال مستمرة حتى اليوم بأشكال مختلفة، بما فيها العودة لتمجيد السفاح ستالين من غالبية عظمى بين الروس، مما دعا صحيفة الكرملين غير مرة للدعوة إلى إنهائها) وإنتصار الأخيرين، كانت أن هاجر قسراً "صفر اليدين" من روسيا مليوني إنسان، حسب معطيات عصبة الأمم العام 1921. وكانت الهجرة الروسية تتكون بشكل رئيسي من السلك العسكري لضباط الجيش القيصري، ومن المتحدرين من اصول النبلاء والبورجوازيين. وبنتيجة هذه الهجرة فقدت روسيا نخبتها الطبقية والفكرية، حيث غادرها كبار الفلاسفة والكتاب والعلماء والمخترعين والمهندسين وكل من كان ينتظره الموت المحتم على يد البلاشفة، لا لشيء فقط لأصوله غير البروليتارية. واشتهرت في تلك الفترة ما كان يسمى "بواخر الفلسفة" التي كانت تقل إلى أوروبا وأميركا ومختلف أصقاع العالم كبار مفكري روسيا وعلمائها الذين ساهموا في منافيهم بتطوير العلوم والفلسفة والعمارة والثقافة.

في حديثه عن الحرب الأهلية السورية والتناقض الداخلي الذي أفضى إليها، يرى الكاتب ضرورة العودة إلى جذورها التاريخية مع بداية عهد الأسد الأب الذي اغتصب السلطة في سوريا إثر إنقلابه العسكري وإعلانه حالة الطوارئ، مما أتاح له تركيز سلطات غير محدودة بين يديه. كما يتحدث ايضاً عن إنتماء الأسد إلى الطائفة العلوية (11% من سكان سوريا، برأيه) وحزب "البعث"، وعن تمكنه من إقامة نظام عسكري إستبدادي لا يفترض إنتخابات على اساس تنافسي، وركز السلطة في أيدي ممثلي الأقلية العلوية. 

فاقمت سنوات الجفاف في سوريا وتصحر الأراضي الزراعية العامل الإقتصادي الإجتماعي، ومع حلول العام 2010 كانت قد تراكمت سلسلة فضايا داخلية عجزت السلطة عن معالجتها، ولم يعد الوضع يحتاج سوى لحدث ما لتشتعل الحرب الأهلية بين المجتمع والسلطة. ولم يطل العام 2011 حتى إندلعت الحرب الأهلية المستمرة حتى اليوم، والتي تتميز بعدة خصائص أوجزها في ثمان رتبها وفق الأولويات التي يراها. وبعد أن يعدد القوى المعارضة لنظام الإسد ويتحدث عن دور وسائل التواصل الإجتماعي الكبير، يتحدث في الثالثة عن تدخل القوى الأجنبية قي الصراع، ووقوف الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو (بريطانيا، فرنسا وتركيا)، بوجه روسيا وإيران الداعمتين للنظام. وينقل عن نور ملص في The Wall Street journal  حديثه في حينها عن مفاوضات سرية لممثلي المعارضة السورية مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حول إمكانية تنقيذ إنقلاب عسكري للإطاحة بالأسد.

وبعد أن يتحدث الكاتب عن خصائص الهجرتين الروسية والسورية، يبحث الرجل عن"المشترك والخاص" في مصائر المهاجرين الروس والسوريين. يوجز المشترك في ثلاث نقاط، يرى في الأولى منها أن أسباب الهجرة القسرية في الحالتين كان الخوف على الحياة الشخصية نتيجة الصراع الأهلي المرير. ويرى في الثانية أن أسباب الصراعات الأهلية كانت النماذج السلطوية للبنية السياسية لكل من روسيا وسوريا، فضلاً عن التفاوت الاجتماعي الواضح. ويقول في الثالثة أن معظم اللاجئين في كلتا الحالتين إختاروا بلدان اللجوء القريبة منهم ثقافياً وتاريخياً ودينياً . 

الخاص يراه الكاتب في أربع نقاط. يقول في الأولى منها أن اللاجئين من سوريا كانوا هدفاً للتلاعب السياسي بهم من قبل اللاعبين في الشرق الأوسط: تركيا، روسيا وإيران. وفي الثانية يقول بأن سوريا غادرها 6ــــــ 7 مليون سوري من 23 مليون عدد سكانها، بينما غادر روسيا في حينه 2 مليون روسي من 182 مليون عدد سكانها العام 1914. وفي الثالثة يرى أن اللاجئين السوريين مجزئين بما فيه الكفاية، وليس لديهم مراكز ثقافية وقادة كاريزماتيين في هجرتهم. ويقول في الرابعة أن 10% من اللاجئين السوريين مسلمون ، والكثيرون منهم مضطرون للعيش في وسط مسيحي غريب عليهم في دول الإتحاد الأوروبي. وهذا ما يتحول بالنسبة للكثيرين من اللاجئين إلى مشكلة مستعصية في إندماجهم الاجتماعي والثقافي.

يستنتج الكاتب مما ذكره أن مشكلة اللاجئين من مختلف دول العالم، وفي مختلف الأوقات، تكشف عن الملامح الحالية للمناخ السياسي والاجتماعي لهذه الدول، وتعكس خصوصيات أصالتهم التاريخية والثقافية. وتُعد تجربة الصراعات الأهلية في روسيا وسوريا، والتي أدت إلى نزوح جماعي قسري لسكانهما، مؤشرًا مهمًا على الخطر الذي يمكن أن تخلقه الأنظمة السياسية غير القادرة على الاستجابة في الوقت المناسب لمتطلبات المجتمع في التغيير. وتعتبر هذه المشاكل من الخصائص المميزة للأنظمة الاستبدادية ذات الطابع الشخصي، غير القادرة على الاستماع إلى المجتمع المدني والإنصات إليه. الصراعات الأهلية التي تشعلها مثل هذه الأنظمة قادرة، ليس فقط على تدمير الاستقرار السياسي المتخيل، بل وتدمير الدولة نفسها أيضًا، وإلقائها في الماضي. لاجئو أنظمة وطنهم، مثقفون وناجحون في بلدان أخرى، يمجدون دولًا أخرى، وليس وطنهم، الذي تبين أنهم غير ضروريين له. النظام الاستبدادي، المتقوقع في التصديق بقدرته المطلقة، يحرم مواطني بلده من مستقبلهم، ويجبرهم أن يصبحوا مهاجرين قسريين، أناس من "الدرجة الثانية" في البلدان المضيفة لهم. وإذا أخذنا بالاعتبار فقط التجربة المحزنة لمليوني روسي وستة ملايين لاجئ سوري، يمكننا أن نفهم مدى أهمية الإصلاحات الديمقراطية في الوقت المناسب لأي دولة في العالم، ومدى خطورة أشكال الحكم الاستبدادية على الشعوب ذات التقاليد الثقافية والتاريخية المختلفة.







  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها