السبت 2021/12/04

آخر تحديث: 07:50 (بيروت)

عطشى إيران على طاولة مفاوضات فيينا

السبت 2021/12/04
عطشى إيران على طاولة مفاوضات فيينا
increase حجم الخط decrease

نادراً ما مرت جولة من مفاوضات فيينا بشأن "الصفقة النووية" الإيرانية، من دون أن تترافق مع إحتجاجات الإيرانيين المتلهفين للعودة إلى إتفاقية الصفقة، سيما بعد الإنفراج الإقتصادي الذي عاشوه بعد عقدها العام 2015. لكن، وكما يقول خبراء، الإحتجاجات الحالية المستمرة منذ أشهر تختلف عن سابقاتها في كونها ليست مدينية، بل إنتفاضة مزارعين تحمل طابعاً إقتصادياً معيشياً وليس سياسياً صرفاً. ولذلك أخطأ بعض المحللين في إفتراضهم صعوبة قمع هذه الإحتجاجات لإستحالة التحجج بالعداء للنظام أو تخريب البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة. فالأنباء الواردة عن قمع القوى الأمنية للمحتجين وسقوط قتلى وجرحى من الطرفين، تقول أن لا حرج أمام السلطة الإيرانية في ممارسة العنف ضد شعبها حتى وهي، أمام أنظار العالم كله،  حول طاولة المفاوضات في فيينا. 

صحيفة القوميين الروس SP (الصحافة الحرة) نشرت في 2 من الجاري نصاً بعنوان "درجة حرارة 50، لا ماء، إنقطاعات في مترو الأنفاق: إيران على وشك إنفجار ثورة"، وألحقته بآخر ثانوي "قيادة طهران ليست مؤهلة بما يكفي لحل المشاكل المعقدة بكفاءة". النص بقلم المؤرخ والمستشرق الروسي اليهودي ميخائيل مجيد الذي يحرص في صوره الشخصية ان تكون الكوفية الفلسطينية حول عنقه دائماً.

يقول مجيد بأن إحتجاجات الآلاف في أصفهان لمطالبة الحكومة بإتخاذ إجراءات لإنقاذ النهر الجاف، قد تتحول إلى صاعق لإنفجار إجتماعي قادم. وبتقدير صحافيين إيرانيين لم يحددهم، ما يجري في إيران الآن هو أكبر حملة بيئية في تاريخها. المزارعون المحليون بدأوا إحتجاجهم منذ ثلاثة أسابيع، وإنضم إليهم كثيرون من سكان أصفهان، ورفعوا شعارات ضد الحكومة، كان الرئيسي من بينها "أعيدوا إلى أصفهان رئتها، أعيدوا نهرنا زيانده رود"، والبعض دعا إلى "العدالة والمساواة".

 عشرات شرائط الفيديو والصور التي بثها التلفزيون الرسمي ووسائل التواصل الإجتماعي، يظهر فيها "بحر هائلً" من البشر الواقفين على شريط من الأرض القاحلة الموحلة، هو كل ما تبقى من نهر زيانده رود. جفاف النهر يترك أثره المباشر على أوضاع مئات آلاف المزارعين وعلى البيئة المحيطة، والإحتجاجات على خلفية حالات الجفاف المتكررة موجهة ضد إهتمام الحكومة غير الكافي بمشاكلهم. 

ويقول مجيد بأن الإحتجاجات "هذه المرة فاقت كل التوقعات"، وإذ أدرك الرئبس الإيراني جدية الوضع، عقد لقاءاً مع خبراء بيئيين، وتوجه نائبه الأول إلى المحتجين بالقول أن الحكومة تعمل "بجدية" على هذه المسألة ، وبأنه تم تكليف وزيري الزراعة والطاقة بحلها، "من دون أن يعدهم بأي شيء ملموس". وبدلاً من ذلك قام رجال الأمن فجر 25 المنصرم بإحراق خيم المحتجين، وطردوا المزارعين من حوض النهر الجاف. وبعد ساعات حضر وزير الداخلية حفل تنصيب حاكم المحافظة المجاورة، والتي إمتدت إليها الإحتجاجات أيضاً، بل و كانت قد إمتدت إلى مناطق مختلفة في إيران.

يلاحق الجفاف إيران منذ عشرات السنين، ومعظم المحافظات تعاني منه إلى هذا الحد أو ذاك، وسبب تفاقم المشكلة "ليست الطبيعة وحدها". بل يرى خبراء بأن القيادة الإيرانية ليست مؤهلة بما فيه الكفاية لحل مشاكل المياه المعقدة على نحو كفوء، كما ينقل مجيد عن خبير إيراني في حماية البيئة. ويقول بأن خبراء النظام نفسه يعترفون بأنه، إذا لم يتغير شيء، قد تفقد إيران 70% من أراضيها الزراعية في السنوات ال 20 ــــــ 30 القادمة.

يرى الكاتب أن الإيرانيين ليسوا مستعدين لتحمل الانهيار الاقتصادي والبنية التحتية، ولذلك تمددت الإحتجاجات الراهنة إلى المناطق الأخرى، "كما كان يحدث غالباً. ودائماً تتعرض البلاد للإهتزازات بسبب الإحتجاجات الجماهيرية التي تتخذ أحياناً طابعاً عنفياً، وكل ذلك يجري على خلفية تراجع شعبية النظام. والقيادة الإيرانية تستند إلى الحراب، لكن هذا "لا يمكن أن يستمر إلى الأبد". فإما أن تفعل إيران شيئًا في ما يتعلق باقتصادها وتتعلم استخدام الموارد المختلفة بكفاءة ، أو عاجلاً أم آجلاً ، ستهتز البلاد بسبب تسونامي من الانتفاضات الثورية الذي يبدو أنه يقترب تدريجيًا. 

المتابعة النشطة للشؤون الإيرانية على موقع RT الناطق بالروسية يوليا يوزيك، وفي نص مطول نشرته في 27 الشهر المنصرم، وكنا قد اشرنا إليه سابقاً، بعنوان "إحتجاج على نهر الحياة الجاف"، قالت أنه بينما كانت القيادة الإيرانية تستعد لمفاوضات جنيف، كان الوضع الإجتماعي الإقتصادي في البلاد يهدد بالسيناريو الأسوأ توقعاً في تغيير التكوين السياسي في السنوات التالية من رئاسة إبراهيم رئيسي. ورأت أنه لا ينبغي النظر إلى المفاوضات من زاوية ما إن كانت إيران ستمتلك السلاح النووي أو لا (وهي ستمتلكه برأيها)، بل من زاوية ما إن كانت الولايات المتحدة ستنقذ مرة جديدة نظام الملالي "المكروه" أم لا. فالوضع الإجتماعي السياسي في إيران اليوم خطير لدرجة أن الولايات المتحدة والمشاركين الآخرين بوسعهم التمسك بالنظام التيوقراطي، أو عدم التمسك به، وبالتالي تسهيل وصول "أولئك العسكريين أنفسهم"، من دون أن تحدد من هم ـــــــــ عسكريو الحرس الثوري أم عسكريو الجيش الرسمي، وهو ما لا يمكن حتى إفتراضه.  

وتحاول يوزيك أن تشرح وجهة نظرها هذه، فتقول بأنه إذا كان توازن القوى خلال رئاستي روحاني معروفاً وواضحاً: ضد ما يسمون بالإصلاحيين المعتدلين، رجال الدين الشيعة المرنين سياسياً وقدماء وزارة المخابرات والمؤيدين للنظام، كان يقف بحزم الحرس الثوري موحداً. لكن الإنتخابات الرئاسية الأخيرة في الربيع الماضي دمرت هذا الواقع المعتاد. وترى أن السبب في ذلك هو شطب عدد قياسي من العسكريين البارزين والوازنين من قائمة المرشحين للرئاسة من قبل مجلس صيانة الدستور. وتعتبر أن الرئيس الإيراني ليس ممن يرعاهم الحرس الثوري، بل هو منافس له في الواقع. 

وتقول أن المئة يوم الأولى من رئاسة إبراهيم رئيسي قاتمة، وإذا كان قد بنى حملتيه الإنتخابيتين (2017 و 2021) على تحميل روحاني مسؤولية الوضع الإجتماعي الإقتصادي، فها هو قد أصبح المسؤول عما يجري الآن، بل والمسؤول الوحيد، لأن خامنئي وضع نظام تبادل السلطة الرئاسية ليحملها كل المسؤولية عن الوضع الإحتماعي في البلاد. 

وبعد أن تدخل الكاتبة في تفاصيل القوى داخل السلطة التي تقف وراء الإحتجاجات، وتذكر بمحاولة الحرس الثوري الإعتراض على إنتخاب رئيسي، تقول بأن جثث المحتجين الإيرانيين سوف "تلقى على طاولة" مفاوضات فيينا، ومع إنهيار الإقتصاد قد "تكلف رئيسي غالياً جداً". 

وترى أنه إذا كانت  العقوبات لن تلغى بالكامل، هذا يعني أن إدارة بايدن الحالية تنضم للمحتجين في "نهر الحياة" ومستعدة للرهان على قوة سياسية أخرى في إيران، من دون أن تحدد من هذه القوى.





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها