الجمعة 2021/12/24

آخر تحديث: 08:09 (بيروت)

الأمن هو التحدي الأبرز لعام 2022

الجمعة 2021/12/24
الأمن هو التحدي الأبرز لعام 2022
increase حجم الخط decrease

ليس هناك من تحدٍ أعظم من الأمن في لبنان العام المقبل. هذا واقع يفرضه غياب السياسة بكل أشكالها عن إدارة الانهيار الحالي مع التقاء مشروعين في البلد على التعطيل، أولهما الثنائي الشيعي الراغب في إزاحة قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت فادي بيطار، وثانيهما لوبي المصارف والمايسترو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. سلامة والمصارف لا يريدان أي سياسة مالية خارج ما يرسمانه من خطط وتعاميم. يُمررون خططاً ورؤى للحل النهائي في لبنان عبر استحواذهم على أصول الدولة وتجفيف مواردها المالية مستقبلاً لحرمان ملايين اللبنانيين من أي تنمية مستقبلية. الثنائي الشيعي يحول دون عقد الحكومة العتيدة اجتماعاً لبحث بنود بارزة على أجندتها، وخوض استحقاقات داهمة كالمفاوضات مع صندوق النقد مثلاً، أو معالجة الأزمات الأمنية والمالية والاجتماعية، وجميعها ذات طبيعة طارئة أو مستعجلة.

لهذا، لا سياسة في لبنان، بل دوران في حلقات مغلقة على وقع التعاميم العدمية والحلول الموقتة لحاكم مصرف لبنان، فيما يُواصل البلد انهياره. لكن في موازاة هذا العدم في السياسة، يُواصل الانهيار قضم قطاعات أساسية في الاقتصاد كالصحة والتعليم عبر تهجير الأطباء والممرضين والأساتذة، ويصنع ببطء واقعاً أمنياً جديداً.

هذا هو التحدي الأهم خلال الشهور المقبلة، وما دونه، "الفوضى والميليشيات"، كما أقر قائد الجيش جوزف عون في لقاء استثنائي مع كبار الضباط في وزارة الدفاع اللبنانية. وفي ظل كل السجالات السياسية والإعلامية العبثية، كانت كلمة عون شديدة الوضوح حيال الانهيار الحالي، إذ تحدث عن "ظروف ساحقة تُمعن في الناس تهشيمًا وتدميرًا"، وعن تعطل "المؤسسات تباعًا بفعل الأزمة"، وعن "تشرذم يسود في البلاد". كما وصف الجيش بـ"المدماك الأخير الذي يحول دون انهيار الوطن وسقوطه في قبضة الفوضى والميليشيات كما حصل في السابق". 

اللافت أن عون ذكر ثلاثة تهديدات أساسية في معرض كلامه حين رفض "عودة سيطرة الميليشيات والعيش تحت رحمة العصابات المسلّحة ‏والإرهاب أو المخدرات". ومن يتصفح الأخبار الأمنية، رغم شحتها نسبة لما يحصل، يلحظ تصاعداً في نشاطات عصابات المخدرات والحوادث المسلحة (سطو، سرقات واشتباكات بين عصابات)، وأيضاً في الاعتقالات المرتبطة بالجماعات المتشددة.

لكن بعيداً عن بعض الكلام المنمّق، كان الحديث صريحاً وواضحاً حيال العجز، مرحلياً على الأقل، عن توفير مساعدات مالية مباشرة للعسكريين، بسبب "معوقات قانونية ودستورية لدى الجهات ‏المانحة". رغم محاولات إيجاد طرق لتوفير مساعدات مالية مباشرة، كإنشاء صندوق أممي وسيط، لا تبدو هذه العملية سهلة. لهذا ربما ركز قائد الجيش على تأمين التنقل الى مراكز الخدمة عبر باصات جديدة، والطبابة وغيرها من التقديمات (التعليم الخاص مثالاً) والمهمة الوطنية، للتشديد على أن العمل في المؤسسة العسكرية ما زال مغرياً.

الإشارة الثانية كانت في نفي اشاعات عن "استنسابية في توزيع المساعدات واعتماد سياسة شتاء وصيف تحت سقف واحد". ذاك أن المساعدات أكانت عينية أو مالية، محدودة نسبة لعديد المؤسسة، وبالتالي أي عملية توزيع، حتى لو كانت عادلة (وهذا صعب في بلد كلبنان)، ستشوبها انتقادات واستياء. من علامات التفسخ والانهيار أن الصراع على الموارد بات أحد العناوين الطاغية، حتى في مثل هذا اللقاء.

يبقى أن المؤسسة، رغم أهميتها وكونها الضامن الأساسي للأمن في البلاد، لديها طاقة تحمل واستيعاب. ومع ارتفاع وتيرة الحوادث الأمنية، قد نرى المزيد من التشققات حتى ولادة واقع أمني جديد نتيجة نمو الجريمة المنظمة، سيتجاوز عمر هذه الأزمة بسنوات طويلة وينعكس على كل مناحي الحياة. هذا مسخ جديد تلده هذه المنظومة التي أعطتنا الانهيار المالي ونزاعات بعناوين أهلية واقليمية، وتواصل رشقنا بأزمات متتالية دون توقف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها