الأربعاء 2021/12/22

آخر تحديث: 07:30 (بيروت)

علاء عبدالفتاح ورفاقه: العودة بالعقوبة إلى أصلها

الأربعاء 2021/12/22
علاء عبدالفتاح ورفاقه: العودة بالعقوبة إلى أصلها
علاء عبد الفتاح الذي لا يكاد يبارح السجن حتى يعود إليه، منذ 2013، محروم حتى من حقوقه كسجين (غيتي)
increase حجم الخط decrease
ينال علاء عبد الفتاح حكماً بخمسة أعوام في السجن، ومازال يواجه اتهامات في قضايا أخرى لم يُبت فيها بعد. وفي الجلسة نفسها، يُحكم على المحامي والحقوقي محمد الباقر بأربعة أعوام، وبمثلها على الصحافي محمد إبراهيم رضوان المعروف بـ"أكسجين". الأحكام الثقيلة التي لا تعززها أدلة أو قرائن، صادرة عن محكمة أمن الدولة، ولذا فهي أحكام نهائية وغير قابلة للطعن أو الاستئناف.

تثير الأحكام مقادير متساوية من الغضب والصدمة. فعلاء عبد الفتاح الذي لا يكاد يبارح السجن حتى يعود إليه، منذ العام 2013، يتعرض لعقوبات إضافية خارج إطار القانون، بحرمانه من حقوقه كسجين، حرمانه من القراءة ومن فترات التريض ومن معرفة الوقت ومن حقه في الرسائل الدورية والزيارات. كان التنكيل المتواصل بعلاء سبباً في القلق على صحته النفسية مؤخراً، ولم تكن أوضاع رفاقه أفضل حالاً. فأكسجين الذي اختفى قسرياً في العام 2019، قبل أن يحاكم لاحقاً بتهم من بينها الانضمام لجماعة إرهابية، كان قد أقدم على الانتحار في محبسه، لكن تم إنقاذه. في الداخل وفي الخارج نالت قضايا هؤلاء الثلاثة اهتماماً معتبراً. كان علاء عبدالفتاح هو الأشهر بينهم بلا شك، لكن الباقر أيضاً، بوصفه محامياً، حظي بتضامن واسع من مؤسسات حقوقية إقليمية ودولية. ولعل أكسجين أقلهم حظاً، وإن ظل اسمه يتردد كل حين وآخر، من دون أن يُنسى مثل آلاف المنسيين أو غير المعروفين بالأساس.

جاء هذا الاهتمام، مقترناً بتدخلات دبلوماسية معلنة، كان آخرها من طرف الخارجية الألمانية قبل النطق بالحكم، وكانت هذه الجهود مبرراً لبعض الأمل في الإفراج عن المتهمين، خصوصاً مع إظهار السلطات المصرية بعض الليونة بخصوص قضايا أخرى، في الفترة الأخيرة. إلا أن النظام الذي يظهر وكأنه قرر أن يجعل من علاء ورفاقه عِبرة، صمم على التنكيل بهم، وبشكل متواصل، من دون الالتفات إلى هذا كله، أو على الأرجح بسببه أيضاً.

العقوبة، في أصلها منفصلة عن معنى العدل كما نفهمه اليوم. منطق الإنصاف كدافع للعقوبة مفهوم حديث، أما أبعاد الإصلاح والتهذيب وإعادة التأهيل المتضمنة في لوائح العقوبات، ففكرة أكثر حداثة، بل ويمكن نسبتها إلى المعاصرة، فهي نتاج إصلاحات حشدت زخمها في الستينات فقط. تاريخياً، انتمت العقوبة إلى فقه الانتقام، عين بعين وسنّ بسنّ. لكن الانتقام ليس مهمة الضحايا ولا مطلبهم بالضرورة. فالعقوبة حق عام، انتقام له صفة السياسي، ينزع عن الجُرم فرديته ومحدوديته لصالح تجريد تمثيلي، يصبح معها المعاقَب أيضاً ذاتاً عامة، تنزل بها العقوبة أمام الجميع وبالنيابة عنهم ولأجلهم.

في القوانين الوضعية، كما في الدين، العقوبة ليست جزاء الجُرم في حد ذاته، بل هي عاقبة الخروج على القانون، والإساءة إلى واضعه وممثله، أي الإله، وبالقدر نفسه السلطة الأرضية. العقوبة، إذن، لا تُقاس بوزن الجُرم، بل بحجم تجرّؤها على الشريعة، وعلى السلطة من ورائها. تعيد أنظمة الحكم السلطوية، القانون والعقوبات إلى أصولها تلك.

في صورتها الأكثر وحشية، لا تهدف العقوبة إلى إصلاح الفرد، بل تسعي إلى بتر المذنب من جسد الجماعة. يتم نفي المعاقَبين خارجها، أو يوصمون بعلامات دائمة وهم في داخلها. الأيادي المقطوعة، والأنوف المجدوعة والرؤوس المعلقة على أبواب المدن، والغياب المادي للمنفيين، علامات للقانون البدائي، تغدو عبرها أجساد المُدانين حاملةً لوشوم السلطة، إعلان من لحم ودم عن قدرتها المطلقة على الأذى والقسوة والعنف. هكذا، فإن أحد وجوه العقوبة في الماضي، وإلى اليوم، هو الردع، وموضوعه هو الآخرون في كليّتهم، أي أن هدف العقوبة الرادعة هو ترويع الجماعة من مغبة الخروج على السلطة وقواعدها.

غياب القاضي عن جلسة النطق بالحكم على علاء ورفاقه، وتغييبهم هم أنفسهم عنها، ليس مجرد استهانه بقواعد العدالة، بل هو بند واحد في لائحة التنكيل بهم، لصالح الرجوع بمنطق العقوبة إلى ما قبل العدالة. فيصبح الثلاثة، مع آخرين، أمثولة للانتقام. وعبر العقوبات المسلّطة عليهم في غياب القانون وقواعده، وعلى خلفية حملات التضامن معهم، يستعرض النظام قدرته المطلقة على البطش. هكذا لا يعود عبد الفتاح والباقر وأكسجين وآخرين، أفراداً، مستحقين للعدالة، بل مجرد أمثولات، نماذج لإنزال الأذى والقسوة في مشهدية الترويع.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها