الإثنين 2021/12/20

آخر تحديث: 07:24 (بيروت)

تحية متأخرة لـ"النقابة البديلة"

الإثنين 2021/12/20
تحية متأخرة لـ"النقابة البديلة"
increase حجم الخط decrease

خلال أكثر من عقدين أمضيتهما في مهنة الصحافة، لم أجد جسماً نقابياً يُدافع عني وعن زملائي حين تعرضنا للملاحقة القانونية والمضايقات الأمنية. صحيح أن "نقابة المحررين" ونقابة أصحاب الصحف (المسماة زوراً نقابة الصحافة)، كانت موجودة، لكننا كُنّا على يقين بأنها لم تكن ولن تكون الى جانبنا في أي معركة نقابية أكان في مواجهة السلطة وأقطابها، أو ضد المؤسسات الإعلامية. هي تقف في صمتها وعجزها الى جانب السلطة، حتى لو أصدرت بيان رفع عتب أحياناً.

ذاك أن أقطاب السلطة نجحوا في تعطيل العمل النقابي بأسره، وهذا انجاز لهم يحصدون نتائجه اليوم صمتاً وإذعاناً عاماً في ظل الانهيار المتواصل. يفقد 3 ملايين عاملة وعامل لبناني اليوم أي قدرة على تحدي السلطة ورفع الصوت في وجهها مع فقدان رواتبهم قيمتها، وتحويل غالبيتهم الساحقة الى فقراء يعتمدون على المساعدات الإنسانية. على السلطة أن تفتخر بإنجازها هذا. في هذا المقام تحديداً، تُمثل نقابة المحررين نموذجاً لما حصل من ارتكابات بحق العمل النقابي، إذ أنها أحكمت السيطرة على الانتخابات لضمان فوز مجموعة محددة على ارتباط بالنقيب السابق، وأسست لتقليد توزيع عضوية مجلس النقابة على القوى الحزبية الأساسية في السلطة، ومنها "الكتائب" و"القوات" رغم أنهما يُصنّفان نفسيهما اليوم في خانة المعارضة. الخطوة الأولى لأي مجلس نقابة ونقيب بعد الانتخابات، هي زيارة قصور الرؤساء الثلاثة، وبقية الأقطاب السياسية والأمنية الأساسية. وهذا تقليد يُشبه البيعة أو اعلان الولاء، وكأن لسان حال الزوار هو "شكراً" و"نحن هنا في خدمتكم".

لكن، وفي موازاة هذا التعطيل للعمل النقابي، نشأت بعد انتفاضة 17 تشرين الأولى (أكتوبر) عام 2019، فكرة انشاء نقابات موازية لخرق جدار السلطة. وهذه الفكرة طبعاً مستوحاة من السودان حيث خرق الناشطون جدار سيطرة السلطة على النقابات المهنية من خلال تأسيس تجمعات موازية كان لها دور يتجاوز العمل النقابي، إذ قادت تظاهرات الثورة السودانية وما زالت في ريادة الاحتجاج على الانقلابيين.

وفي لبنان حيث الإحباط بات سيد الموقف بين قوى الانتفاضة، لم ينجُ من هذه التجربة سوى "تجمع النقابة البديلة" الممثل للعاملات والعاملين في قطاع الصحافة. التجمع نجح في البقاء والمأسسة الداخلية من خلال وضع نظام داخلي وانتخاب لجنة تنسيق بهدف دفاع أكثر فاعلية عن الحريات.

وهذا حصل بالفعل. التجمع شكّل خلال السنتين الماضيتين، كتلة صلبة من الصحافيات والصحافيين، تُدافع عن الحريات وحقوق العمال كافة في مواجهة السلطة وبعض المؤسسات التي قرر أرباب العمل فيها حرمان الموظفين من رواتبهم ومستحقات نهاية الخدمة. كما نجح التجمع في تحدي نقابة المحررين خلال الانتخابات الماضية، إذ حصدت مرشحته اليسار قبيسي على قرابة مئة صوت في جدول مغلق، وهذا انجاز يُحسب له ولها. ومن ثم قدمت دعوى قضائية للطعن في الانتخابات ونتيجتها ولفتح الجدول أمام عموم الصحافيين.

بالتأكيد، لم يرق هذا الأمر للنقيب ولا للسلطة وراءه. لهذا أقدم النقيب، وبعد زيارة الرؤساء الثلاثة، على رفع دعوى قضائية ضد التجمع بهدف قمع صوته ومنعه من ممارسة عمله. وهذه في المقام الأول معركة حريات وحقوق، يقف فيها أقطاب السلطة الممثلة بمجلس النقابة (الثنائي الشيعي، التيار الوطني الحر، تيار المستقبل، حزبا القوات اللبنانية والكتائب)، وتجمع النقابة البديلة متحالفاً مع الجهات الحقوقية وبعض التنظيمات المنبثقة من انتفاضتي 2015 و2019. هي مواجهة حقوقية أمام القضاء في المقام الأول، وسياسية ثانياً، سيما أن اعلان نص الدعوى وبشكل صريح أشار الى انبثاق التجمع من "الانتفاضة"، وكأنها جريمة، وهذا يتناقض مع الموقف السياسي المُعلن لحزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية". بيد أن من ينتقد التموضع الحالي لـ"الكتائب" يتحدث عن قدرته على ابرام صفقات من تحت الطاولة مع السلطة، واستعداده للمشاركة في الحكم مجدداً بحصة أكبر.

لهذا ربما، ومن موقع حصته في مجلس النقابة، ممثلاً بالقيادي الكتائبي، جورج شاهين، يخوض الحزب معركة قمع الحريات وتصفية جسم نقابي انبثق من انتفاضة تشرين. هل هذا عنوان التغيير الذي يعد به "الكتائب"؟

وهذه المواجهة القضائية محطة أساسية للسلطة إذ تُحاول أن تطوي صفحة الانتفاضة ضدها بالكامل، إذ أن فوز نقابة المحررين وقمع التجمع، سيُعيدان القطاع بأسره للوراء أشواطاً. لن يعود بإمكان الصحافي المعارض للسلطة والرافض لواقع الحال، أن يُمارس حقه بالتعبير وبالدفاع عن زملاء آخرين يتعرضون للقمع أيضاً.

هذه معركة مصيرية ولا بد من التضامن مع الزملاء المستهدفين في "النقابة البديلة"، وتوجيه تحية لنضالهم ضد سلطة البؤس برموزها وأقطابها وأحزابها ونقاباتها القمعية أيضاً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها