الخميس 2021/12/16

آخر تحديث: 08:36 (بيروت)

قصّة زيادة 4 دولارات على أجور السوريين

الخميس 2021/12/16
قصّة زيادة 4 دولارات على أجور السوريين
increase حجم الخط decrease

خلال الساعات القليلة الفائتة، بذل المشرفون على صفحة "رئاسة الجمهورية" السورية، على "فيسبوك"، جهوداً حثيثة، لحذف عشرات التعليقات التي شتمت حكومة النظام، وصولاً إلى النيل من رأس النظام شخصياً، بالتهكم والسخرية. وقد نجحوا أخيراً في تبييض تلك الصفحة من أي تعليقٍ ينتقد النظام. فيما لم تبذل صفحة "يوميات قذيفة هاون في دمشق" -الأكثر متابعةً لدى جمهور الموالين- الجهد ذاته، واكتفت بحذف التعليقات التي تنال من بشار الأسد، فيما أبقت على تلك التي تنال من حكومته، كإجراءٍ تنفيسيٍّ ضروري، بعد مراسيم الأسد الثلاثة بـ "زيادة الأجور"، مساء الأربعاء.


لكن المفاجأة كانت أن يتفاجأ موالو النظام من الزيادة الضئيلة للأجور، التي أصدرها الأسد، بعد أسابيع من "التبشير" بزيادة مُجزية، تقلل من آثار قفزات الأسعار الكاوية في الأسواق السورية، نتيجة قرارات رفع الدعم المتسارعة عن حوامل الطاقة، ومشتقات الخبز.


لا نعرف، هل صدّق الموالون أن الأسد سيستجيب لمطالب أعضاءٍ في مجلس الشعب، بزيادة الأجور بنسبة 300%!، أم أنهم توقعوا مثلاً، قفزة بنسبة 100%، كما روّج بعض المنظّرين الموالين عبر وسائل الإعلام؟! فنظام الأسد، خلال السنوات العجاف الأخيرة، لم يُقدم على سابقة كهذه، وكانت أعلى نسبة لزيادة الأجور، لا تتجاوز سقف الـ 50%، كما حدث في تموز/يوليو الفائت. لذلك، جاءت نسبة "الزيادة" الأخيرة -30%- منسجمة مع سياساته المعتمدة منذ سنوات، على هذا الصعيد.


وبطبيعة الحال، فإن حجم الألم والمرارة، المُعبّر عنه في التعليقات على الصفحات "الفيسبوكية" الموالية، مفهوم. فهذه مرة جديدة، يخيّب فيها الأسد آمال أنصاره، ويصدر "زيادة" في الأجور، كانت زيادات الأسعار قد التهمتها مسبقاً، بدفعٍ من قرارات حكومته، ذاتها.


وحسب أسعار الصرف الرائجة، مساء الأربعاء، فإن الحد الأدنى الجديد، للأجور في سوريا - 92970 ليرة سورية شهرياً-، بات بحدود 26 دولاراً. وبالمقارنة مع الحد الأدنى السابق للأجور -71515 ليرة سورية شهرياً-، والذي كان يعادل وفق أسعار الصرف الرائجة حين اعتماده –في تموز/يوليو الفائت- حوالي 22 دولاراً، فإن زيادة الأجور التي أصدرها الأسد، تعادل 4 دولارات. أي أن الزيادة الحقيقية للأجور -مع مراعاة تغير سعر الصرف خلال الأشهر الستة الأخيرة- كانت بنسبة 12% في أحسن الأحوال، وليست بنسبة 30%.


الدولارات الأربع تلك -أو الـ 12% زيادة حقيقية في الأجور- كانت مقابل رفع الأسعار المدعومة للغاز المنزلي بنسبة 130%، وللغاز الصناعي بنسبة 300%، وللكهرباء بنسب تتراوح ما بين 100 و800%، وللبنزين بنحو 46%، وللخبز السياحي بنسبة تتجاوز 40%.


الزيادات المشار إليها آنفاً، توالت خلال أقل من شهرين فقط –تشرين الثاني/نوفمبر، وكانون الأول/ديسمبر-. وتذهب تقديرات إلى أنها أنتجت ارتفاعاً في تكاليف المعيشة لأسرة من خمسة أفراد، بوسطي 600 ألف ليرة سورية. وإذا كان وسطي الأجور في سوريا، قبل "الزيادة" الأخيرة، بحدود 150 ألف ليرة سورية شهرياً، فإنه مع "الزيادة" الأخيرة، أصبح بحدود 200 ألف ليرة سورية شهرياً، في أحسن الأحوال. أي أن وسطي "زيادة" الأجور، كان بحدود 50 ألف ليرة سورية، فيما ارتفعت تكاليف المعيشة، بحدود 600 ألف ليرة سورية. لكن حتى لو رفضنا اعتماد الرقم الأخير، واعتبرناه، مبالغاً به، فإن التقديرات المتداولة لتكاليف الحد الأدنى لمعيشة أسرة من خمسة أفراد، تتراوح بين 1.8 مليون ليرة سورية شهرياً، في أعلاها، و1 مليون ليرة سورية شهرياً، في أدناها. فإذا اعتمدنا الرقم الأخير، أي أدنى التقديرات الرائجة، وقارناه بالحد الأدنى لتكاليف المعيشة قبل 3 أشهر فقط، والذي كان بوسطي 732 ألف ليرة سورية شهرياً، فهذا يعني، أن هناك زيادة في تكاليف المعيشة، نتيجة قرارات رفع الدعم الصادرة في الشهرين الأخيرين، لا تقل عن 260 ألف ليرة سورية شهرياً. مما يعني أن الـ 50 ألف ليرة سورية التي "زادها" الأسد على متوسط الأجور بسوريا، وفق قراره الأخير، تغطي أقل من 20% من ارتفاع تكاليف المعيشة المُستجد خلال الربع الأخير من العام الجاري.


لكن الأخطر مما سبق، هو أن النظام بات مولعاً باستراتيجيته الكارثية على معيشة السوريين، التي اتبعها خلال العام 2021. فبدلاً من ارتفاع الأسعار، الذي كان يلتهم زيادات الأجور بعد صدورها مباشرةً -وهي الاستراتيجية التي كانت سائدة طوال عقود من حكم "الأسدين"، بصورة جعلت زيادة الأجور، "فأل شرّ" يُنذر بارتفاع التكاليف الحقيقية للمعيشة- قرر النظام عَكْسَ ذلك. فهو يدفع نحو رفع الأسعار، قبل أن يُقدّم للسوريين "مُسكّناً" بهيئة "زيادة" في الأجور، تكون قد التُهمت مسبقاً، مرات عديدة. 


ولا يخفي النظام ولعه باستراتيجيته الجديدة تلك، بل هو يصارح السوريين بها، في كل مناسبة، ويرد على كل من يتأمل "خيراً"، حتى من أنصاره. فحينما تحدث أمين سرّ مجلس الشعب، عن زيادة في كتلة الأجور بنسبة 56%، لُوحظت في موازنة العام 2022، التي أقرها المجلس مؤخراً، ردّ عليه وزير المالية، مباشرةً، بأن الموازنة لا تنص على وجود زيادة في الأجور. وأن أي زيادة مقبلة في الأجور، ستكون نتيجة "دخل غير ملحوظ" في الموازنة. وضرب مثلاً للتوضيح، أن الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين أدت إلى "دخل غير ملحوظ"، يتيح زيادة في الأجور.


بكلمات أخرى، فإن "الزيادات" المقبلة في الأجور، خلال العام القادم، ستكون تالية لزيادات في أسعار المواد المدعومة، وفي مقدمتها، حوامل الطاقة، وربما الخبز أيضاً. وهذا يعني استمرارية الدوامة ذاتها. قرارات تدفع نحو تضخم الأسعار، تليها زيادة في الأجور لا تكافئ الارتفاع الحقيقي المُستجد في تكاليف المعيشة.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها