الثلاثاء 2021/12/14

آخر تحديث: 07:36 (بيروت)

30 عاماً من دون الإتحاد السوفياتي

الثلاثاء 2021/12/14
30 عاماً من دون الإتحاد السوفياتي
increase حجم الخط decrease

في مثل هذا الشهر من العام 1991 توالت الأحداث التي وضعت النهاية الرسمية للإتحاد السوفياتي. وبحلول يوم 26 كانون الأول/ديسمبر، أعلن مجلس السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي زوال هذه الدولة من الوجود. وعلى الرغم من مرور 30 عاماً على سقوط هذا العملاق الذي كان يقف على رجلين من طين، من الصعب ان تدعي أية جهة قدرتها على حصر النتائج التي ترتبت، وما تزال، على هذا الحدث التاريخي المدوي.

تواصلت "المدن" مع عدد من المستشرقين والصحافيين والكتاب السياسيين الروس، وطرحت عليهم  أسئلة بشأن هذه السنوية، وستنشر إجاباتهم تباعاً، كما ستنشر ابرز الاراء وخلاصات الندوات والطاولات المستديرة التي عقدت في هذه المناسبة. وأول من إتصلت به "المدن" كان سكرتير ميخائيل غورباتشوف فلاديمير بوليكوف وأُرسلت له الأسئلة عينها، وبعد ان وافق على إرسال الرد، عاد ورفض الرد حتى عن السؤال المتعلق بدور غورباتشوف. لا شك بأنه يمكن تفهم موقف الرجل في ظل تصاعد سلوك السلطة في السنوات الأخيرة وقمع الحريات، والتهديد الدائم للقوى والشخصيات السياسية المعارضة بالسجن وإدراجها على قائمة العار "عميل أجنبي" المستوحاة من التعبير الستاليني "عدو الشعب". 

  بوتين يصر على القول بأن إنهيار الإتحاد السوفياتي كان "أعظم مأساة في القرن العشرين"، ويحمل غورباتشوف المسؤولية شبه الكاملة عنها، ولا يقتصد إعلامه في النعوت المهينة للرجل الذي بلغ التسعين هذه السنة. في إعتباره هذا تجاوز بوتين حربين عالميتين ذهبتا بحياة عشرات الملايين من البشر، وتجاوز الإرهاب الستاليني والمجاعات التي نظمها وذهبت أيضاً بحياة عشرات الملايين. وكثيرون يعتبرون أن المأساة لم تكن في سقوط الإتحاد السوفياتي، بل كانت في قيامه، والمفاجأة ليست في سقوطه، بل في تمكنه من البقاء 70 سنة كان كل يوم منها يحمل توقع هذا السقوط. 

نبدأ هذه الحلقات مع المستشرق والباحث في مركز الدراسات العربية والإسلامبة في معهد الإستشراق الروسي قسطنطين ترويتسيف. أجاب المستشرق على قسم من الأسئلة، وأبقى إلى وقت لاحق الإجابات المتعلقة بتأثير سقوط الإتحاد السوفياتي على الشرق الأوسط، ودور روسيا بوتين في المأساة السورية وشراكتها هناك مع إيران، وذلك لأن الإجابات عنها "تتطلب المزيد من الوقت".

يقول ترويتسيف عن دور غورباتشوف بأن سقوط الإتحاد السوفياتي كان نتيجة أسباب إجتماعية ــــــــ إقتصادية وسياسية عميقة، وتحميل شخص منفرد المسؤولية عنه لا بد أنه يصدر عن أشخاص محدودين للغاية أو ليسوا شرفاء. فمنذ نهاية الستينيات، أصبح من الواضح أن الاتحاد السوفياتي كان متخلفًا بشكل كبير، ليس فقط من حيث الجودة، بل في درجة التطور التكنولوجي أيضًا. وكان من الضروري إجراء تغيير عميق في النموذج السائد، وإلا سيترتب على ذلك ركود وانهيار قاتل. الزعماء السوفيات العجزة كانوا غير قادرين على ذلك، ولذا قوبل وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة وإطلاق البيريسترويكا بحماس عام. إلا أن غورباتشوف وجميع قادة البيريسترويكا السوفيات لم ينجحوا في قيادة العمليات التي أطلقوها بانفسهم. وفي أواسط الثمانينات "أصبح واضحاً لي" وللجميع أن الكارثة واقعة لا محالة. ومع حلول نهاية العام 1990، أصبح من الواضح أن عملية التفكك الذاتي أصبحت من غير رجعة ويتعذر وقفها. وليس من الواضح ما إن كان غورباتشوف يرى ذلك، إلا أنه كان يحاول باستمرار منح عملية التفكك طابعاً تصاعدياً، وهذا ما تشير إليه محاولة إعادة تشكيل الإتحاد السوفياتي وجعله "إتحاد الدول ذات السيادة".

محاولة إنقلاب آب/أغسطس 1991 سرعت عملية التفكك لدرجة "أننا إستيقظنا" صبيحة يوم إنتهائه و"نحن ندرك بوضوح شديد أننا إستيقظنا في دولة أخرى: لقد سقط الإتحاد السوفياتي فعلياً"، وأصبح عبء السلطة ملقى على كاهل بوريس يلتسين وأنصاره. وبالتالي القول بأن قادة روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا الذين وقعوا "إتفاقية إنشاء كومنولث الدول المستقلة" (مكان الإتحاد السوفياتي) هم من أسقطوا الإتحاد السوفياتي، يعني القول بأنهم أسقطوا ما سبق أن سقط فعلياً، وهم ثبتوا هذه الحقيقة قانونياً فقط.

وعن رأيه بوصف بوتين المذكور للحدث، يقول المستشرق بأنه لا يوافق على أنها"الكارثة الأعظم"، بل يرى بأنها كارثة، أما الأعظم فيراها في الحربين العالمتين الأولى والثانية وما رافقهما من ثورات وسقوط إمبراطوريات ودول، وما تسببتا به من "ضحايا بشرية لا تحصى". ويقول بأن الشعب الروسي لا يزال يعاني بالملموس من هذه النتائج، حيث أن تعداده ينبغي أن يكون عليه الآن 500 مليون شخص "على الأقل" (وهذا ما ذكره بوتين)، بينما لا يتجاوز تعداده الآن 145 مليون إنسان.

ردُ ترويتسيف على سؤاله عن تطور روسيا في عهد بوتين وعلاقاتها مع الجمهوريات السابقة في الإتحاد السوفياتي استهلك 4 صفحات فولسكاب ( أكثر من 1300 كلمة). وهذا ما قد يفسر تأجيل إجابته عن الأسئلة المتعلقة بآثار إنهيار الإتحاد السوفياتي على الشرق الأوسط وإنخراط روسيا في المأساة السورية وشراكتها مع إيران هناك، والسؤال عن علاقة الصداقة مع إسرائيل. 

في إيجاز شديد للرد، يرى المستشرق أن أحد المنجزات الرئيسية للسلطة الحالية وبوتين شخصياً يتمثل في الحؤول دون تقسيم البلاد والعملية المستمرة في توحيد المجتمع. ويقول بأن النمو الإقتصادي  والخروج من الركود باشرته حكومة يفغيني بريماكوف العام 1999 وتواصل في العقد الأول من هذا القرن. ووجد هذا النمو دعماً كبيراً في اسعار النفط المرتفعة، لكنها لا تختصر وحدها كل هذا المسار. فمنذ بداية عهد بوتين حظي المجمع الصناعي العسكري بالإهتمام، وتحول إلى احد محركات النمو، واصبح اليوم واحدة من الحلقات الرئيسية في التحول التكنولوجي. وتطور البنية التحتية والزراعة التي كانت كعب أخيل في كل المرحلة السوفياتية، هو "ما جعلنا نحصل اليوم على بلد مختلف كلياً". بضاف إلى كل هذا تحول روسيا إلى قوة عسكرية سياسية وجيوسياسية متنامية، جعلت روسيا تعود إلى عداد الدول الرائدة في العالم. 

في رده على السؤال بأن المفاجئ ليس إنهيار الإتحاد السوفياتي، بل إستمراره طيلة هذه المدة، وافق ترويتسيف على هذا القول من الناحية الإقتصادية. ويقول بأنه وفق القوانين الإقتصادية لا يمكن لإقتصاد الدولة أن يصمد أكثر من عشر سنوات إذا كان أكثر من نصفها يعمل في الصناعات الحربية. وتشير الإحصاءات إلى أن حوالي 70% من الصناعة في الإتحاد السوفياتي كان يعمل للدفاع، واستمر هذا من 1930 حتى 1990، وشمل سنوات البيريسترويكا. وفهم الأميركيون في عهدي كارتر وريغان هذا الأمر، وأجبروا الإتحاد السوفيات على الإنفاق أكثر على الدفاع. وكان ثمن هذا الأمر الركود الإجتماعي ومستوى حياة الناس المنخفض للغاية، " وكل هذا كان في عداد أسباب الكارثة".

وبشأن أولوية الأسباب الداخلية أو الخارجية في زوال الإتحاد السوفياتي، قال المستشرق بأن السبب العام يكمن في عجز الإتحاد السوفياتي عن الإنتقال من المجتمع الصناعي إلى ما بعد الصناعي، " ومن لم يفهم هذا، لم يفهم شيئاً". ومن أجل هذا كانت البيريسترويكا، أي لجعل النظام أكثر مرونة "وهذا ما اصبح عليه الآن"، لكن الثمن كان إنهيار البلاد. 

أما الأسباب الخارجية، فمن الواضح جداً أنها سهلت الإنهيار. لكن التأثير الخارجي يصبح حاسماً حين نتحدث عن هجوم الولايات المتحدة على غرينادا مثلاً. لكن التأكيد كما لو أن المؤامرات الخارجية و"عملاء النفوذ" دمروا الإتحاد السوفياتي، هذا يعني "أنك لا تحترم بلدك العظيم وشعبه".








increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها