الأحد 2021/11/28

آخر تحديث: 16:31 (بيروت)

إيران العائدة الى المفاوضات..من دون حلفائها

الأحد 2021/11/28
إيران العائدة الى المفاوضات..من دون حلفائها
increase حجم الخط decrease

طوال أسابيع، لم يغِب الطيران الحربي الاسرائيلي، على إختلاف أشكاله، عن سماء لبنان وسوريا. في بعض الانحاء اللبنانية كان يصعب التمييز بين هديره وطنينه، وبين هدير مولدات الكهرباء وألحانها المنوعة. لكن أحداً لم يجرؤ على الربط بين تلك الأنغام والإيقاعات القاتلة. العدو في السماء وعلى الارض أيضا.

    لم تكن غاية الهدير الاسرائيلي، الازعاج فقط. لا في لبنان، ولا طبعا في سوريا. الغارات الجوية التي تكثفت في الاسابيع القليلة الماضية على أهداف مختلفة داخل سوريا برهنت مجدداً على أن الاسرائيليين كانوا في مهمة واضحة ومحددة: أميركا تستخدم العصا الاسرائيلية الغليظة، لكي تقنع إيران بأنه حان وقت العودة الى المفاوضات النووية، من دون تأخير ولا تردد إضافي، ومن دون الشروط التي ترددها طهران، لا أكثر ولا أقل. كان لبنان في هذا السياق، مجرد معبر جوي آمن للطيران الاسرائيلي، أو محطة جوية مؤقتة لإطلاق بعض الصواريخ من دون التسبب بالحرج مع الحليف الروسي ودفاعاته..

لكن الهدير كان (ولا يزال حتى اللحظة) مدوياً أكثر من أي وقت مضى، ما دفع الى التحليق عالياً في سماء التحليلات التي تنهي أو على الاقل تقلص الوجود العسكري الايراني في سوريا، ولبنان، الى الحدود الدنيا.. وتقيم حداً فاصلاً بينه وبين الإنتشار العسكري الروسي، يعادل القطيعة، ويوحي بأن روسيا على وشك مغادرة مأزقها المستمر منذ خمس سنوات في سوريا، حيث لم تستطع ان تفرض سيطرتها الحصرية المطلقة على سوريا، ولم يعد بإمكانها الخروج  من سوريا، إلا مهزومة.

الطيران الاسرائيلي هو مجرد تشكيل على تلك اللوحة السورية واللبنانية. السيادة في الجو، لا تعني السيطرة على الارض. وكذا الأمر بالنسبة الى الطيران الروسي. لكن إخراج إيران من سوريا ليس على جدول أعمال أحد حتى الآن. ومثل هذه الخطوة لا تتم من الجو، بل هي تحتاج الى بلوغ العمق الايراني، الذي تمكن الاسرائيليون من إختراقه أكثر من مرة، وقلبوا الحصار العسكري الذي فرضته إيران عليهم بواسطة حلفائها رأساً على عقب.. ما ساهم في صدور القرار بالعودة الى المفاوضات النووية في جنيف، يوم الاثنين.

هذا القرار هو، بكل المعايير، خطوة إيرانية الى الوراء، تستجيب للضغط العسكري الاسرائيلي المكثف، والضغط السياسي الاميركي الشديد.لم تحقق طهران طوال الاشهر الخمسة الماضية من إنقطاعها عن مفاوضات جنيف، سوى زيادة تخصيب اليورانيوم. وهو ثمن بخس بالمقارنة مع ما كانت ولا تزال تتعرض له من حصار.. وثمن لا يحتسب لدى سماع مطلبها برفع العقوبات كافة، أو بالحصول على تعهد رسمي أميركي بعدم نقض الاتفاق النووي مجدداً، كما فعل دونالد ترامب. وهو تعهد لم تحصل عليه من باراك أوباما ولن تحصل عليه من الرئيس الحالي جو بايدن، حتى ولو رفعت تصريحها الصادر قبل يومين بعدم السعي الى صنع قنبلة نووية، الى مستوى الفتوى.

ليس من السهل على إيران أن تصنف عودتها غداً الى مفاوضات فيينا إنتصاراً إلهياً جديداً. فهي في مماطلتها حاولت، وأخفقت في إستثمار مختلف أوراق القوة الاقليمية التي تمتلكها سواء في العراق او اليمن او سوريا، او حتى لبنان، وإنتهى بها الأمر عند نقطة البداية، أو ما قبلها: رفع العقوبات لم يعد شرطاً مسبقاً لإستئناف التفاوض مع الاميركيين، والضمانة المطلوبة من إدارة بايدن لم تعد شرطاً ملزماً لتجديد الاتفاق.

دبلوماسية إيران أمام لحظة الحقيقة المرّة، التي سبق أن أدركها فريق الرئيس الايراني السابق حسن روحاني جيداً: العبث في الشأن النووي بالغ الخطورة، إذا لم تكن هناك نية لصناعة قنبلة، وإذا ظلت تلك الخطوة محرّمة. عندها لا يبقى سوى التسليم بالقضاء الدولي والقدر. أما التلويح بالخروج مجدداً من المفاوضات، إذا لم ترفع العقوبات كاملة ولم تقدم واشنطن الضمانة اللازمة، فهو لا يعني سوى سوء التقدير في إيران..والمزيد من الهدير في سماء سوريا ولبنان.     

     

   

 

 

  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها