الجمعة 2021/11/26

آخر تحديث: 07:36 (بيروت)

ميقاتي يستكمل الانهيار ولا يُوقفه

الجمعة 2021/11/26
ميقاتي يستكمل الانهيار ولا يُوقفه
increase حجم الخط decrease

أكثر من سنتين مضت على بدء الأزمة المالية، ويقف لبنان اليوم على عتبة استحقاقات كبرى لا يبدو أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أو أحداً في حكومته، على استعداد لها. سعر صرف الدولار تجاوز عتبة الـ25 ألف ليرة لبنانية، وباتت الرواتب بأغلبيتها الساحقة غير كافية لإطعام عائلات أصحابها. عملياً، صرنا في دولة تعتمد غالبية سكانها على المساعدات للبقاء على قيد الحياة. هذا هو مدى فشل السلطة السياسية التي حوّلت لبنان من دولة متوسطة الدخل مع نظام تعليمي وصحي جاذب، إلى واحدة من أفقر دول المنطقة تنظر إلى مستقبلها نزولاً، لا صعوداً.

يزيد من وقع الأزمة أن هناك هوة رهيبة بين سلوك الطبقة السياسية ووزرائها "التكنوقراط"، وبين واقع تنهار فيه رواتب اللبنانيين وتتدهور أحوالهم نتيجة خيارات سياسية في المقام الأول. ذاك أن الانهيار اللبناني ليس جائحة أو كارثة طبيعية خارجة عن سيطرة البشر، بل هو نتاج صناعة محلية يتحمل مسؤوليتها أقطاب السلطة والقوى الإقليمية الراعية لهم. هذا الانهيار تسببت به خيارات سياسية ومالية وفساد وتغليب الطموحات والأطماع الشخصية وإرادة الخارج على المصلحة الوطنية اليتيمة في الحالة اللبنانية.

ودور هذه الحكومة، كما هو واضح، ليس وضع خطة انقاذية للبلاد، بما أن الطبقة السياسية ليست في هذا الوارد. وليس إيجاد سبل لعلاج الأزمات المتراكمة في المال والصحة والغذاء والبيئة والسياسة الخارجية وغيرها. الهدف الوحيد الواضح حتى الآن واحد، هو التخفيف من الضغط الدولي على أقطاب السلطة، وربما الحؤول دون فرض المزيد من العقوبات عليهم وعلى أزلامهم. هؤلاء التكنوقراط أصحاب السير الذاتية الطويلة، جزء أساسي اليوم من استراتيجية السلطة في زمن الانهيار.

سعادة الشامي نائب رئيس الوزراء تحدث بالأمس عن أن "الحكومة تعمل على موضوع الفقر"، من دون تحديد ماهية هذا "العمل". بحسب هذا المسؤول، يعمل وزير الطاقة "لايجاد الحلول المناسبة ...وكل ضمن اختصاصه وفور اكتمال الخطة نعلن عنها". الشامي يتحدث عن الانتهاء من "المفاوضات التقنية" مع صندوق النقد الدولي، على أن يبدأ "التفاوض بشكل جدي". ادعى بأن هذه المرحلة "الجدية"، كما يحلو له تسميتها، قد تنتهي بعد شهرين، أي في آخر الشهر الأول من العام المقبل. وهذا تقدير لا تتفق معه دول غربية نافذة في صندوق النقد الدولي، ناهيك عن كوننا في بلد يُصعب فيه اتخاذ قرارات مصيرية كتلك التي يتطلبها برنامج اصلاحي كهذا. و"الجدية" ليست من سمات هذه الحكومة وأفرادها، بل نعرفها بقصص الضفادع والحفاضات فحسب. 

في خضم الأزمة، وربما في أسوأ وأخطر مراحلها، تعدنا الحكومة اللبنانية بـ"خطة" أخرى تُضاف الى ما راكمته الحكومات السابقة من خطط (أين أصبحت خطط حكومة حسان دياب؟). 

في موازاة هذه المراهقة لأصحاب السير الذاتية الطويلة في الحكومة، تلوح أزمات جديدة، بدءاً بالانهيار المتسارع للعملة الوطنية أمام الدولار، وانتهاء بما قد يتأتى من الخلاف على موعد الانتخابات، وسط ما يُشاع عن احتمالات تأجيلها، وفي ظل تهديدات باستقالات جماعية من مجلس النواب في حال التصويت لتمديد ولايته. 

كما لا بد أن يُؤثر الانهيار في العملة وما يرافق ذلك من تضخم في الأسعار وتقلص القدرة الشرائية إلى حد التلاشي لدى أصحاب الدخل المنخفض، في الأمن وقدرة مؤسسات الدولة على تسيير شؤون الناس وحفظ الإستقرار. هذا مسار يجعل تنظيم الانتخابات صعباً إن لم يكن مستحيلاً.

الأهم أن وراء هذا الفشل الحكومي المتعاظم، قراراً سياسياً. هذا الانهيار يبدو مسلسلاً متواصلاً، في ظل غياب إرادة جامعة لانهائه (على الأقل، ليس بالشروط الدولية). 

المطلوب اليوم هو صفقة إقليمية ومساعدات غير مشروطة بإصلاحات وعمليات تدقيق وشفافية تتناقض مع طبيعة السياسة اللبنانية. وحتى إتمام الصفقة، يتطلب اللعب في الوقت الضائع، حكومات من هذا الصنف الرديء.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها