الأحد 2021/10/10

آخر تحديث: 08:18 (بيروت)

حزب البيئة الفرنسي.. مفاجأة الانتخابات الرئاسية؟

الأحد 2021/10/10
حزب البيئة الفرنسي.. مفاجأة الانتخابات الرئاسية؟
يانيك جادو مشاركاً في إضراب التغير المناخي في باريس (2019 - غيتي)
increase حجم الخط decrease
منذ نشأة الجمهورية الخامسة الفرنسية، قوربت مشاركة "حزب الخضر" في الانتخابات الرئاسية من زاوية إثبات الوجود لا أكثر. طوال عقود كان يُحسب "حزب الخضر" (الذي بات حزب "أوروبا-البيئة" منذ العام 2010) على الوسط اليساري، كما كان يُنظر إليه من زاوية التبعية للحزب الاشتراكي، لشعبيته المحدودة. واقع لم يحل دون خوض هذا الحزب غمار الاستحقاق الرئاسي مرات عديدة، أقله لقرع "جرس الإنذار البيئي".

حالٌ تبدلت تدريجياً منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة العام 2017 حينما فقد الحزب الاشتراكي هيمنته على أحزاب اليسار، ما وفر لحزب أوروبا-البيئة هامشاً أكبر من الاستقلالية. استقلالية تضاعف حجمها مع بروز مؤشرات تدل على اهتمام الفرنسيين المتزايد بالمسائل البيئية: ففي استطلاع للرأي يعود للعام 2019، أشارت مؤسسة YouGov إلى أن 26% من الفرنسيين يضعون التهديدات البيئية في سلّم أولوياتهم، كما أن 70% ممن شملهم الاستطلاع لم يُبرئوا أنفسهم من مسؤولية التدهور البيئي والتغير المناخي الحاصل. وعليه بادر نحو 56% من سكان البلاد إلى تغيير سلوكهم اليومي كما نمط استهلاكهم. واقع أدركته الأحزاب الفرنسية، قبل جائحة كورونا وبعدها، بدليل الحيز الأوسع الذي باتت تحتله القضايا البيئية في البرامج السياسية. 

وهذه مؤشرات تُرجمت على الصعيد الانتخابي، حين احتل "أوروبا-البيئة"، المرتبة الثالثة في انتخابات البرلمان الأوروبي العام 2019، ليتعزز حضوره في العام التالي خلال الاستحقاق البلَدي، ما أتاح له ترؤس بلديات وازنة.

بنتيجة ذلك، بات ينظر إلى "أوروبا-البيئة" كمنافس جدّي في الانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إجراؤها في نيسان المقبل. هذا ما اتضح في التغطية الاعلامية اللافتة للانتخابات التمهيدية التي نظمتها مؤخراً الأحزاب ذات التوجه البيئي (وعلى رأسها حزب أوروبا-البيئة) وأفضت إلى فوز يانيك جادو ببطاقة الترشيح للإليزيه.

يدخل جادو المنافسة مراهناً على عدد من أوراق القوة. بداية، ما زال الشارع الفرنسي تواقاً إلى تجديد الحياة السياسية بعد "خيبة أمله" من سياسة ماكرون. في وسع جادو الاستثمار في هذه النقطة، بعدما عُرف بنشاطه داخل المجتمع المدني إبان توليه إدارة منظمة Greenpeace في فرنسا. سيرة ذاتية من شأنها استمالة جزء من الناخبين المستائين من السياسيين التقليديين. علاوة على ذلك، خاض جادو الانتخابات التمهيدية تحت عنوان "البراغماتية"، ما أشار إلى نبذه أي نهج صِدامي إذا ما تولى الحكم. من ناحية أخرى، مطالبة "أوروبا-البيئة" باتخاذ خطوات عملانية لوقف التدهور البيئي تعني، وبشكل تلقائي، تطلعه الدائم إلى المستقبل بغرض توفير أفضل مقومات الحياة للأجيال المقبلة، مسألة جوهرية في أي دعاية انتخابية.

في المقابل، يدرك "أوروبا-البيئة" خبرته المتواضعة في شؤون الحكم: فمشاركته في الحكومات الاشتراكية انحصرت في وزارة البيئة. أضف إلى ذلك ارتباطه بالحزب الاشتراكي وطغيان هويته البيئية على مواقفه السياسية. في هذا الإطار سيستمر جادو في محاولات فتح أبواب الحوار والتعاون مع مرشحي/ات اليسار وعلى رأسهم، آن هيدالغو، عمدة باريس والأوفر حظاً لحصد بطاقة ترشيح الحزب الاشتراكي.

بالنظر إلى الظرف السياسي الحالي، يُعتبر "أوروبا-البيئة" الحزب الوحيد المؤهل لتوحيد أطياف اليسار خلف مشروع ثنائي الأبعاد: التحول البيئي والعدالة الاجتماعية. هو خلط للأوراق في الوسط اليساري في ظل سعي الحزب الاشتراكي إلى ترتيب بيته الداخلي لاستعادة هيمنته، فيما يتطلع جان لوك ميلانشون، مرشح أقصى اليسار، إلى تزعم العائلة اليسارية. لكن، وفقاً لقيادة "أوروبا–البيئة"، ليس من العدل حرمانها من أداء الدور الذي يتناسب مع حجمها الانتخابي المستجد، مستحضرة في هذا السياق "تضحياتها" السابقة. وعليه، لن ترضى بانسحاب مرشحها كما جرى عام 2017 حين عزف يانيك جادو عن خوض السباق الرئاسي لصالح مرشح الحزب الاشتراكي بنوا هامون. ومن جانبها، تعتبر قيادة الحزب الاشتراكي أنه، وبخلاف نتائج الانتخابات الأوروبية والبلدية، اظهرت الانتخابات الاقليمية الثقل الانتخابي الذي ما زال يحظى به حزبهم، ما يُعتبر مؤشراً على إمكانية خوضهم للانتخابات المقبلة حتى النهاية.

رغم الرسائل الإيجابية المتبادلة بين الاشتراكي وأوروبا–البيئة، تبقى الضبابية سيدة الموقف. المؤكد أنه في حال كُرست هيدالغو مرشحة للحزب الاشتراكي، سنشهد مواجهة قاسية بينها وبين جادو إذ يسعى كلاهما إلى استمالة الكتلة الناخبة نفسها: كتلة وسط اليسار التي انحازت العام 2017 إلى ماكرون. لتعزيز موقفها، ستتسلح هيدالغو بتحالفها مع حزب أوروبا-البيئة داخل بلدية باريس، أملاً في تسويق أهليتها لقيادة هذا الشكل من التحالف على الصعيد الوطني.

في الواقع، راهن الاشتراكيون على خسارة يانيك جادو، وفوز منافسته ساندرين روسو، بخطابها الراديكالي. رغم خسارتها للانتخابات التمهيدية، نجحت روسو في فرض إيقاعها طوال المعركة الانتخابية، ما أجبر جادو على "تطعيم براغماتيته" ببعض الملامح الراديكالية. في هذا السياق، يتوقع عدد من المحللين السياسيين أن ترخي راديكالية روسو بظلالها على حملة جادو الرئاسية، خصوصاً بعد حصولها على 49% من الأصوات في الدور الثاني.

قد يكون مبكراً التكهن بالمسار الذي ستسلكه حملة جادو، وما إذا كان سيتحول إلى مفاجأة الاستحقاق: فالحملات الانتخابية لم تنطلق بعد على نحو رسمي، واستطلاعات الرأي لا تمنح جادو أكثر من 6% من الأصوات. لكن الدرس الذي استخلصته الصحافة الفرنسية من تلك الانتخابات التمهيدية، أن الوسط البيئي ليس بمنأى عن "لوثة التطرف". فمثلما اعتاد الناخبون الفرنسيون سماع خطاب متطرف يميناً ويساراً، بات عليهم التأقلم مع "الراديكالية البيئية". هو مؤشر على غليان الشارع الفرنسي إزاء الأوضاع السياسية والاقتصادية، ما أفضى إلى تشبث كل فريق بمعتقداته على نحو يعيق التواصل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها