الأحد 2021/10/03

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

كهرباء لبنان..صراع على الهوية

الأحد 2021/10/03
كهرباء لبنان..صراع على الهوية
© Getty
increase حجم الخط decrease

 يصعب العثور على الموعد الدقيق لتحول الكهرباء في لبنان من قطاع خدمي مربح، الى سلاح سياسي مدمّر، بدأ إستخدامه في الحرب الاهلية، قبل ان يخضع لهدنة لم تدم سوى بضع سنوات في تسعينات القرن الماضي، إنتهت باللجؤ الى تطوير إستخدامه كأحد أسلحة الدمار الشامل، المحرّمة دولياً، والخاضعة، اليوم، لرقابة المجتمع الدولي، والمثيرة لدهشته وذهوله.

قبل هذه الرقابة الدولية الحثيثة، لم يكن من الصعب الاستنتاج ان تفكك "الرابط الكهربائي" بين اللبنانيين، بات يمس أحد أهم وآخر عناصر هويتهم الوطنية الجامعة، التي توازي العِملة والعلَم، وتهدد وجودهم وبقاءهم في هذه البقعة الجغرافية المعتمة، التي لا يبدو أن هناك أملاً بإضاءتها في المستقبل المنظور، وإزالة خطر الظلام التام، المؤدي الى تصنيف لبنان بلداً  غير صالح للسكن والعيش الانساني.

 لا مع الحكومة الحالية، ولا مع أي حكومة مقبلة، تلوح فرصة للخروج من هذا الظلام الدامس، طالما ظل الصراع يدور حول المسؤوليات الماضية، لا حول الخطط الآتية. أصبحت الكهرباء بحد ذاتها تختصر فكرة الدولة المشلولة، وتحتل صدارة عناوين الازمات السياسية المتراكمة، بحيث لم يعد يمكن إصلاح القطاع وتوفير تلك الخدمة الحيوية للمواطنين، من دون تصفية الطبقة السياسية بكاملها، ومن دون إستثناء وهو ما يتطلب الكثير من الوقت ومن المعجزات والتدخلات الالهية، التي تنهي إستخدام هذا السلاح المحرم.

الرجاء يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، بان يخرج من هذا الظلام، مسؤول "مستنير" واحد، ومعه فريق صغير، يقبل بتحييد اللبنانيين وتجنيبهم خطر ذلك السلاح الفتاك، ويتصرف على اساس ان هناك حاجة الى إعلان حالة طوارىء كهربائية، ويشكل غرفة عمليات تجتمع على مدار الساعة، وتبادر على الفور الى الشروع في تنفيذ الخطط المطروحة، لمعالجة أزمة الكهرباء، وأهمها بناء المعامل ومصادر الطاقة البديلة، وتبدأ بجمع الاموال اللازمة، بأي شكل كان، سواء الهبات والقروض والتبرعات وحتى الضرائب الخاصة بهذا القطاع بالذات، التي لا تحمل المواطن أعباء تفوق ما يتحمله اليوم.

الحكومة الحالية، بما هي حكومة نصف سنة لا أكثر، قالت أنها تتعهد العمل  لزيادة ساعات الكهرباء، من الصفر الذي يلوح في الافق، الى أربع ثم ست ثم ثماني ساعات يومياً كحد أقصى، من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل. وهذا هدف كبير بالمقارنة مع الفراغ السابق، الذي ساد طوال العامين الماضيين، لكنه تفكير مبسط، بالنظر الى أن الاستحقاق الانتخابي نفسه هي موعد التوتر العالي، الذي يبيح توسيع إستخدام ذلك القطاع في المعارك الانتخابية نفسها، وينذر بالعودة الى نقطة الصفر في التغذية التي يعيش لبنان على حافتها.

الضغوط والعروض الخارجية الموجهة الى الحكومة الحالية، كما الى مختلف الحكومات التي شكلت في العقدين الماضيين، من أجل إقفال ذلك الثقب الاسود، والتوقف عن حرب الابادة بحق اللبنانيين، لم ولن تثمر في إقناع أحد بأن الوقت قد حان لإتخاذ الخطوة الاولى نحو الحل..حتى ولو عمد المجتمع الدولي الى إصدار قرار من مجلس الامن ، تحت البند السابع، يفرض على المسؤولين اللبنانيين إخراج بلادهم من العتمة.

كانت الكهرباء أولوية مطلقة، وستبقى كذلك. إستئناف الهدنة التي سادت في التسعينات، يتطلب أكثر من إسقاط ذلك السلاح القاتل للشعب وللدولة. لا الخصخصة هي الحل، ولا الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولا طبعا تجديد التعاقد بين رموز الطبقة السياسية على الاحتفاظ بقطاع الطاقة رهينة.. أو إداة من أدوات الصراع على السياسة الخارجية اللبنانية، كما هو حاصل في خطوط الغاز والكهرباء العربية، وفي خطوط النفط الايرانية.

الكهرباء هي من الآن فصاعداً عنوان معركة مقبلة على هوية لبنان، ولن تكون ساعات التغذية الاضافية المرتقبة، سوى مؤشر تقني على أداء الحكومة المؤقتة، ودليل أولي على الأدوار السياسية لمختلف القوى المحلية، التي تلعن الظلام اليوم، لكنها لا تقوى على إضاءة شمعة.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها