الأحد 2021/10/24

آخر تحديث: 14:42 (بيروت)

في الرد على سؤال الحرب الاهلية

الأحد 2021/10/24
في الرد على سؤال الحرب الاهلية
increase حجم الخط decrease
الدخول في دوامة النقاش حول الحرب الاهلية، وإحتمالاتها، ليس بالامر السهل ولا المستحب طبعا. في الاصل، هي خطوة كبرى الى الوراء، تنذر فعلا، هذه المرة، بزوال لبنان، كدولة ومجتمع، من الوجود. صحيح أن لبنانيين كثيرين ما زالوا هناك، لم يشفوا تماما من أعراضها، وبعضهم ما زال مستعداً لتجديدها وتحديثها برمشة عين. لكن هذا الإكتشاف المستعاد أخيراً، والطاغي على أي حديث لبناني، يتناقض مع ما يفترض ان الازمات الاقتصادية والمعيشية الخانقة، قد إنتجته من وحدة في البؤس وتضامن في البحث عن حلول تنقذ الجميع من الفقر.

ولحسن الحظ، فإن هذه التضامن الوطني ما زال ساري المفعول، برغم بعض الاستثناءات المحدودة، التي تزعم مثلا أن الفيدرالية، أو اللامركزية الموسعة، أو الادارة المدنية الضيقة، هي المخرج الوحيد، الذي سبق أن أختبر في خلال الحرب الاهلية، وكان أحد أسباب الصراعات الدموية التي انكفأت من الاطار الوطني العام، الى داخل كل طائفة ومذهب ومحافظة وقائمامقامية، وما زالت آثارها ظاهرة على جميع القوى السياسية، بل على عموم اللبنانيين الذين لا يذكر أي منهم أن تلك التجارب كانت ناجحة بحيث يمكن إستعادتها.

لكن طغيان الفكرة، أو على الاقل إلحاح السؤال عن الحرب الاهلية وفرص تجددها، صار بحد ذاته مرعباً. كما ان الجهد المبذول لنفيها أو إستبعادها بات مضنياً، ويتطلب المزيد من المقارنات والتوضيحات والارقام والحجج، والمزيد من التحليق في عوالم السياسات العربية والاقليمية والدولية، وهو اليوم أشبه ما يكون، بالتنقل في الفراغ أو في الظلام.. الذي ينتهي عادة بالاستنتاج المحبط: ما زالت مستبعدة، لكنها تقترب شيئا فشيئاً!

في اللغة السياسية المحكية، التي تعبر عما في النفوس، لم تعد الفكرة محرّمة كما من قبل، بل هي تدرجت الى حد إحتلالها مركزاً متقدماً في المصطلحات السائدة حاليا. ومن باب نفي الفكرة، وإنكار المسؤولية، باتت مختلف القوى والشخصيات العاملة في السياسة، تستسهل إتهام الآخر بإستدعاء الحرب الاهلية التي كانت تسقط فعلا من الذاكرة اللبنانية، بوصفها ماضياً مشيناً، لا يفخر أحد بوقائعه، بل يتمنى الجميع نسيانها تماماً.

كان مجرد ذكرها محظوراً حتى في ذروة الصراعات السياسية "الطبيعية" بين الطوائف والمذاهب، على المناصب والمكاسب والمصالح، الى أن إنحدر الخطاب العام، وإنجرف الجميع خلف التيار العوني الذي كان، ومن باب التجرد من آثامها، سباقاً في إستعادة ذكريات الحرب الاهلية ورموزها وشعاراتها وفظائعها، عندما ضاقت عليه سبل السياسة مع بقية القوى الطائفية التي كانت قد هذبت لغتها وطورتها بما يتلاءم مع حاجتها الى خلق إنطباعات زائفة عن حداثتها وقدرتها على إستخلاص العبر.

لكن الانحدار الأعمق، والأخطر من اللغة العونية، كان في خطاب حزب الله، وفي سقطة أمينه العام السيد حسن نصرالله الأخيرة، حول المئة ألف مقاتل المؤهلين للقتال في الداخل، ضد خصم مسيحي محدد، ومفتعل، في ما بدا أنه تحديث "إستراتيجي" لدور الحزب المحلي، الذي خاض معركة 7 أيار 2008 ضد خصوم آخرين لم يكن بينهم مسيحيون، بل ربما كان يومها يقدم، في جانب من تلك المعركة، خدمة غير مباشرة لحليفه المسيحي المعروف.

حتى الأمس القريب، كانت تلك المعركة، تقدم من جانب الحزب، على أنها إستثناء أملته ظروف خاصة جدا بالمقاومة وأدواتها وآليات عملها. اليوم، دخل البلد في نقاش جديد، وعقيم، حول موازين القوى العسكرية الداخلية، التي سبق أن أقفلت تماماً، وحول حقيقة وجود هذا العدد الضخم ، والمصطنع، من المقاتلين، وتسليحهم، وكلفتهم، وتعبئتهم، ومناطق إنتشارهم، ودوافع إستخدامهم.. وغيرها من الاسئلة التي اثارها ذلك الخطاب الناري الخطر، الذي إتهم القوات اللبنانية ومواطني أحياء الطيونة وعين الرمانة وفرن الشباك بالتعديات والاستفزازات وإثارة الفتن!

كان الخطاب مخصصاً طبعا، لنفي التورط في إستعادة الحرب الاهلية، وتحديداً لإنكار الميل الى التورط في مواجهة، هي الاولى من نوعها في تاريخ الحزب، مع المسيحيين، أو بالاحرى مع فريق منهم. لكنه بلا شك، أطلق شياطين تلك الحرب، وأدخل البلد في دوامة جدل لن ينتهي، ولن يكون إلا معطلاً، لأي جهود تبذل لإنهاء الازمات الاقتصادية والمعيشية، التي تصيب جميع اللبنانيين من دون إستثناء حتى لاولئك الذين لا يزالون هناك، في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وكل ما تحفظه من همجية ووحشية، لم تشهد مثلها حروب سوريا او العراق او اليمن او السودان او ليبيا..

بات نفي الفكرة يتطلب أكثر من خطاب أو رد على خطاب. لكنها بالتأكيد، لا تزال مستبعدة جدا، جدا.  

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها