الجمعة 2021/10/22

آخر تحديث: 08:02 (بيروت)

لبنان بلا أشجار

الجمعة 2021/10/22
لبنان بلا أشجار
increase حجم الخط decrease

قبل شهرين، وقعت اشتباكات عنيفة بين مسلحين من بلدتي فنيدق وعكار العتيقة شمال لبنان إثر نزاع على قطع الحطب بين شبان، ما أدى الى سقوط قتيل وعدد من الجرحى. بدأ النزاع على تقطيع الأشجار في وادي الأسود في منطقة القموعة، اثر تدخل نائب رئيس بلدية فنيدق وشرطتها، ومصادرة الحطب والجرار الزراعي. في ظل الغلاء وعدم توافر بدائل لمادة المازوت، تُرتكب مجزرة بحق الأشجار المتبقية في الأرياف اللبنانية.

صحيفة "ذي ناشونال" الناطقة بالانكليزية نشرت تقريراً عن قطع الأشجار في فنيدق، ونقلت عن شرطي من القرية أن إحدى الأشجار المقطوعة عمرها قرون، وتُعد من الأقدم في المنطقة بأسرها. عمليات قطع الأشجار كبديل عن مادة المازوت الباهظة الثمن وغير المتوافرة غالباً للتدفئة، متواصلة، وستتسارع بشكل كبير.

موجة البرد المقبلة سترى المزيد من قطع الأشجار بأنحاء البلاد، وستترك أثراً بعيد المدى على البيئة والصحة. وهذا ليس بعيداً عن السياسة في لبنان، ذاك أن هذه السلطة بأركانها جميعاً أمعنت في تدمير البيئة منذ نهاية الحرب الأهلية. 

أولاً، أسهمت السلطة في تراجع المساحات الخضراء سنوياً، سعياً للأرباح من خلال العمولات على رخص البناء وتسهيلها، فغزا الاسمنت الريف وقضى على الكثير من المناطق الحرجية. واللافت في الأرقام المتوافرة (رغم كونها شحيحة في هذا المجال)، أن التراجع تصاعدي في طبيعته، أي أن نسبة التراجع تتزايد وليست ثابتة. على سبيل المثال، كانت المساحات الحرجية حتى نهاية التسعينات تتراجع بنسبة تتراوح بين ثلاثة الى خمسة كيلومترات مربعة سنوياً. لكن النسبة تصاعدت مرات خلال السنوات الماضية، لتصل الى 30 كيلومتراً مربعاً في ذروتها سنوياً، ويُتوقع ارتفاعها هذا العام.

كما أورد شون شيهان وزاوية عبد اللطيف في كتابهما عن لبنان (2008)، تراجعت نسبة المساحة الخضراء من 18 في المئة في خسمينات القرن الماضي، الى ما بين ثلاثة وخمسة في المئة في نهاية العقد الأول من القرن العشرين.

اليوم، لو أخذنا الحرائق المتصاعدة وقطع الأشجار بشكل عشوائي ومتزايد، الأرجح أننا أمام مجزرة ستقضي على ما تبقى من المساحات الحرجية، لينتهي بنا المطاف بنسبة مئوية ضئيلة تقتصر على بضعة أقضية.

ثانياً، جرائم السلطة لم تقتصر على تسهيل البناء واهمال المناطق الحرجية، بل شمل أيضاً الدخول في مجال المقالع والكسارات التي ارتفع عددها من بضع مئات في تسعينات القرن الماضي لتتجاوز الألف. هذه قضمت وتقضم قسماً ليس بالهين من الجبال والتضاريس اللبنانية، علاوة على تأثيرها البيئي وعلى صحة المقيمين في المنطقة.

ثالثاً، لجأت السلطة الى الخيار الأكثر ربحاً لها، على حساب صحة الناس، في ملف معالجة النفايات. بدلاً من تجديد البنية التحتية من أجل التعامل مع النفايات وإعادة تدويرها، لجأت الى المطامر. وهذا ينسحب أيضاً على التعاطي مع نظام الصرف الصحي في لبنان، إذ أن الأنهار تحولت الى مجاري تحمل نفايات صناعية وخلاف ذلك، في حين يصب أكثر من 50  مجروراً في مياه الساحل اللبناني، ما حوّل أغلب مياهه غير صالحة للسباحة.

لهذا الانهيار البيئي بكل المجالات آثار صحية، ناهيك عن حرمان لبنان بأسره من مناطق خضراء كانت تُشكل ركناً من هوية البلاد، وحتى أمد قصير، عنصراً جاذباً للسياحة والاصطياف. لكن للأسف، البيئة اليوم، تماماً مثل قضايا أخرى شديدة الأهمية كالصحة، في أسفل أولويات السلطة السياسية التي ما زالت تتنازع المناصب باسم حقوق الطوائف.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها