الثلاثاء 2021/10/19

آخر تحديث: 06:58 (بيروت)

التراشق التركي الروسي في إدلب

الثلاثاء 2021/10/19
التراشق التركي الروسي في إدلب
increase حجم الخط decrease

لم تمض أسابيع على لقاء يوتين أردوغان في سوتشي، حتى تصاعدت لهجة التخاطب بين الجانبين، وحل تبادل القصف مكان الدبلوماسية. وليس في الأمر ما هو مفاجئ، فالرجلان أنهيا محادثات دامت ست ساعات، وخرجا من دون المؤتمر الصحافي التقليدي في مثل هذه الحالات، ومن دون أن يدلي أي منهما بكلمة للصحافة. وبدل ان يعلن الإعلام الروسي حينها عن فشل المفاوضات، فضل أن يستبدل ذلك بالقول بأنها إنتهت إلى الإتفاق على المحافظة على الوضع في إدلب والشمال السوري على حاله. وكان اللقاء قد عقد حينها في ظل تزايد الحشود العسكرية التركية في المنطقة، وإرتفاع وتيرة قصف الطيران الروسي للأهداف المحيطة بمناطق تواجد القوات التركية.

يستمر التصعيد بين البلدين بشكل مضطرد منذ ذلك الحين، مما جعل مواقع إعلامية روسية تكتب عن وقوف البلدين على حافة الحرب بينهما في سوريا. فقد نشرت صحيفة القوميين الروس sp في 15 الجاري نصاً بعنوان "إردوغان يصدر أمراً يضع روسيا وتركيا على حافة الحرب"، وأرفقته بعنوان ثانوي "أحفاد الإنكشاريين سيطلقون النار على الجنود الروس إذا حاولوا أخذ إدلب". وكانت صحيفة NG قد سبقتها بيوم واحد ونشرت نصاً بعنوان "روسيا وتركيا تعودان إلى لغة التراشق المدفعي"، وبآخر ثانوي "المساومة على الأرض السورية تهدد بالتحول إلى سيناريو القوة". كما ذكّرت صحيفة الكرملين بتصريح أردوغان عن حرب "أخرى" لتركيا في سوريا.

موقع Lenta الإخباري الروسي نشر نصاً مقتضباً عن "إستعداد الجيش التركي لإجتياح أربع مدن سورية". ونقل عن صحيفة تركية قولها بأن الجيش التركي أنجز الإعداد لعمليات في شمال سوريا، وينتظر الأوامر ليبدأ إجتياح كلٍ من منبج، تل تامر، عين عيسى وتل رفعت. ونقل عن مسؤولين أتراك "رفيعي المستوى" قولهم بأنه كان على موسكو وواشنطن إبعاد التشكيلات الكردية مسافة 30 كلم إلى الجنوب من الحدود التركية السورية، إلا أنهما لم تنفذا تعهدهما. 

صحيفة القوميين الروس قالت بأن "أحفاد الإنكشاريين"أقاموا موقعاً محصناً جديداً في ضاحية مدينة سراقب جنوب إدلب، يضاف إلى عشرات المواقع الأخرى، على بعد مئات الأمتار عن قوات الأسد. ويبدو أن إردوغان أصدر أمره "لن نسلم إدلب"، على الرغم من التحضير الناشط الآن لهجوم واسع من قبل القوات السورية مع العسكريين الروس. وتحول أوتوستراد М4إلى خط جبهة حقيقية تقف على جانب منه القوات التركية مع عدد كبير من تشكيلات المسلحين، وعلى الجانب الآخر القوات السورية مع مقاتلي الشرطة العسكرية ووحدات من قوات العمليات الخاصة الروسية. 

وتقول الصحيفة بأن دمشق، وليس بدون موافقة موسكو، سوف تبذل كل الجهود لطرد تركيا من إدلب التي تحتل معظمها، وتشل ثلث الإقتصاد السوري كحد أدنى. وإذا فشل الأسد في إستعادة شمال سوريا سوف تفقد إنتصاراته السابقة قيمتها، ومن جديد سوف تصبح السلطة الفعلية لحكومته موضع تساؤل.

تنسب الصحيفة إلى وسائل الإعلام السورية قولها بأن وزارة الإقتصاد الإماراتية أعلنت عن توقيع إتفاقية مه سوريا على توسيع التعاون الإقتصادي بين البلدين. لكن دبي وضعت شرطاً على دمشق بضرورة طرد القوات الأجنبية من سوريا. ويمكن برأيها إعتبار هذا الشرط تحريضاً لدمشق على تسريع الهجوم على إدلب، وقد يكون، على الأغلب، القول لدمشق بضرورة إنهاء الحرب في سوريا، الأمر الذي لا يمكن بدونه أن تستوي أية علاقات اقتصادية طبيعية. 

تتساءل الصحيفة عن سبب وجود تركيا في سوريا، وتقول بأنه ليس من حجة واحدة للدفاع عن "غاديوشنك إدلب" (مبذلة إدلب)، كما يسمي الإعلام الروسي بؤرة الصراع في إدلب. وتقول بأن إردوغان رفض خطة بوتين بإقامة شريط منزوع السلاح بعرض 6 كلم على طول الحدود مع تركيا، يشكل نوعاً من "منطقة آمنة" لمئات آلاف المدنيين السوريين، وتشكل حلاً للعديد من المشاكل الإنسانية.

وتنقل عن بوليتولغ( لم تحدد هويته) قوله بأن السبب قد يكمن في رغبة أردوغان أن يكون في دائرة الضوء في واشنطن وموسكو، وسيخرج من دائرة التناقضات الروسية الأميركية فيما لو خرج من إدلب. فجنوده في إدلب يمنحونه إمكانيات كبيرة للمساومة مع روسيا والولايات المتحدة اللتين تدعمان الأكراد.

صحيفة NG الروسية قالت بأن روسيا وتركيا رفعتا بشكل ملحوظ لغة الإتهامات المتبادلة بشأن سوريا. وقد لمح أردوغان إلى أنه  على إستعداد لأن يقوم منفرداً بإبعاد التشكيلات الكردية المسلحة عن حدوده إلى العمق المطلوب، فردت الدبلوماسية الروسية بالتصريح أن لدمشق الحق في إستعادة سيادتها على كامل أراضي سوريا، مع العلم أن بعض أجزائها لا تزال، كما في السابق، تحت سلطة قوات غير رسمية مسؤولة عنها أنقرة. الحرب على الإرهاب ينبغي أن تستمر، لكنها تنتهي في سوريا حين تستعيد سيادتها على كامل أراضيها، واية إستعدادات عسكرية لأنقرة يجب أن تراعي الحفاظ على هذه السيادة.

تنقل الصحيفة عن الخبير الروسي الزائر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن والمجلس الروسي للعلاقات الدولية أنطون مارداسوف قوله بأن مطالبة موسكو لأنقرة بفك الحصار عن أوتوستراد  М4، وأنقرة لموسكو بسحب الفصائل الكردية من منبج وتل رفعت، هي النقطة التي تنطلق منها جميع التخمينات أين يمكن أن تبدأ عملية جديدة وكيف ستنعكس على المناطق الأخرى. لكنه يحذر من الإستعجال في توقع متى تنطلق، وذلك لأنه لا وجود رسمياً لقوات تركية في منطقة تل رفعت، بل توجد قوات عملياتية للجيش الوطني السوري الذي من المشكوك فيه أن تتمكن من التقدم فقط بمساعدة المدفعية. ثانياً، محاولات قوات الأسد تجاوز المواقع التركية من دون تنسيق(مع القيادة الروسية) قد تواجه مقاومة القوات التركية التي تجاوزت الحاجز النفسي العام 2020 للضربات المكثفة على القوات السورية. ثالثاً، من الصعب جداً على موسكو تنفيذ تعهداتها بسحب الفصائل الكردية، وذلك لأنه من العسير عليها أن تقترح شيئاً على الأكراد في ظل إستمرار الوجود الأميركي في شرق سوريا. 

ويقول مارداسوف أنه  في هذا السياق ، يبدو أن السيناريو الأمثل هو خيار الحفاظ على الوضع السوري القائم. ومع ذلك ، فإن المخاطر سترتفع بالطبع، حيث بوسع كل من الطرفين تحويل هذا الوضع الراهن إلى تبادل جديد للأراضي، وسوف تتم تغطية العملية باتهامات متبادلة. وهو لا يراهن في الوقت الحالي على العملية في حد ذاتها، بل سيلجأ الطرفان إلى تكثيف القصف المدفعي كورقة مساومة في المفاوضات. علاوة على ذلك ، يقول بانه نشأ وضع غير مريح بالنسبة لأردوغان، حيث سيلتقي قريباً مع الرئيس الأميركي بايدن الذي لن يكون راضياً عن عملية تركية ضد الأكراد.

ويرى مارداسوف أن العامل الذي لا ينبغي إهماله في الوضع الراهن هو كيف ستكون عليه ردة فعل الدول العربية على الأعمال التركية في شمال سوريا، سيما وأنها سبق أن قامت العام 2019 بعملية "نبع السلام" في الحسكة والرقة، مما دفع بقوى عربية مختلفة إلى الإلتفاف حينها حول دمشق. لكنه يستدرك بالقول أن الوضع مختلف الآن، حيث تقوم تركيا بتحسين علاقاتها مع لاعبين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت في حال صراع معها. 



   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها