الإثنين 2021/10/18

آخر تحديث: 13:37 (بيروت)

"17 تشرين" البورجوازية

الإثنين 2021/10/18
"17 تشرين" البورجوازية
increase حجم الخط decrease

في الذكرى الثانية لانتفاضة "17 تشرين"، من الضروري استعراض الأسئلة المفتوحة التي لم يُقفل النقاش فيها، ومنها من تحول عنواناً للانقسام.

من الأسئلة، كيف نبني تنظيماً ناجحاً، يملك تمويلاً ذاتياً مستداماً (وليس خارجياً موقتاً على طريقة جمعيات المجتمع المدني)؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست محسومة، ولم تنجح أغلب المجموعات المنبثقة عن الانتفاضة الأخيرة أو حراك عام 2015 وانتخابات 2018في انتاج نموذج قابل للاستمرار مالياً والنمو تنظيمياً. أمامنا الآن مجموعات تتفتت ولا تنمو. 

من الأسئلة المهمة أيضاً، كيف نجعل مواجهة سلاح "حزب الله" أولوية دون أن نتحول الى "14 آذار" أخرى؟ وأيضاً، سؤال متصل، وهو هل نتحالف مع قوى تقليدية كانت جزءاً من النظام؟ هذا السؤال معني بحزب "الكتائب" المشارك سابقاً في الحرب الأهلية، والحكومات والائتلافات، وكذلك بالنائب المستقيل ميشال معوض الذي كان في كتلة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وفاز بأصوات عونية، ثم بدّل موقفه السياسي. هناك انقسام حيال هذا السؤال إلى الآن، ذاك أن هناك طرفين أحدهما يرى ضرورة الائتلاف بناء على الموقف السياسي فحسب، والآخر يرفض الدخول في تحالف مع تنظيمات أقوى مالياً وعددياً واعلامياً، وهي أقدر على تحديد الأجندة السياسية من مجموعات صغيرة. 

كل هذا النقاش ضروري ومفيد أحياناً، لكن السؤال الوجودي بالنسبة لمجموعات 17 تشرين، هو لماذا لم تتسع مجتمعياً للكتلة الأكبر أو السواد الأعظم من الناس، أي أصحاب الدخل المحدود، وهم غالباً جمهور الأحزاب التقليدية والطائفية، أتباع أقطاب السلطة في لبنان؟

الإجابة متشعبة. ذاك أن السيطرة المحكمة حالياً على هذه الطبقة تُمثل ركناً أساسياً لاستمرارية قوى السلطة بلا عواقب رغم فسادها وفشلها الذريع في الحكم. وهذه السيطرة قائمة على إدارة مجتمع بأسره، من خلال سردية طائفية (مزيج من انتاج متواصل للخوف من الجماعة الأخرى والاعتزاز بانجازات زعيم الطائفة وحزبه) تُعززها منابر الدين والاعلام، من جهة، والمؤسسات التنظيمية والخدمية، من جهة ثانية.

كيف ينتقل الفرد من تأييد حزب سياسي مرتبط عضوياً بقيادة الطائفة وما ترمز له، إلى الانضواء في حركة سياسية مناهضة؟ أو كيف تُبدل منطقة ولاءها من زعيم تفديه بأرواحها الآن الى مجموعة ناشطة غالباً على وسائل التواصل، ويجتمع أعضاؤها على زوم أو "مايكروسوفت تيمز"؟


وهذا السؤال مرتبط جذرياً بما سبقه عن التنظيم. بيد أن من الضروري لأي تنظيم جديد وضع اطار لمشاركة وتمثيل أبناء هذه الطبقات المحدودة الدخل، وهي اليوم الغالبية الساحقة من السكان، وحمل مطالبها، وهذا يشمل الشق الخدماتي والاغاثي الذي يمتنع عنه كثيرون ويدينوه بصفته جزءاً من النظام الريعي الفاسد سابقاً. وهذا غير دقيق، ذلك أن مجتمعاتنا في أزمة إنسانية، ومن الضروري أن تنخرط القوى السياسية في إيجاد شبكات دعم واغاثة جديدة، في اطار عملها التنظيمي. 

في المسألة الأولى، وهي أن تتسع التنظيمات طبقياً، تبرز صعوبات عديدة، أبرزها أن الكثير من الناشطين يتحدرون من طبقات ميسورة نسبياً، وبينهم وبين الغالبية المسحوقة اليوم، هُوةً هائلة، قيمياً (وهم محافظون مقابل ناشطين ليبيراليين غالباً)، وثقافياً (هوة كبيرة بالتعليم والتقنيات، وعدم اتقان للانكليزية والفرنسية التي تُستخدم ولو لماماً في اجتماعات المجموعات ونقاشاتها). وهناك مقاربة سائدة للمجموعات حيال هذه الطبقات، تخلط بين الإدانة والقرف والفوقية والخوف. الخوف من الأذى في مجتمعات تحت السيطرة حزبياً أو ميليشيوياً، وكلاهما سيان في لبنان، وتحديداً في مناطق سيطرة الثنائي الشيعي، وإلى حد أقل، "التقدمي الاشتراكي". 

العمل التنظيمي أيضاً يقضي بإنتاج سردية مضادة للسلطة، مبنية على تمثيل حقيقي لمصالح هذه الطبقة من خلال برنامج اقتصادي-اجتماعي يضمن تمثيلها حزبياً أولاً، عبر أطر داخلية، وسياسياً-اقتصادياً ثانياً. على المجموعات البديلة، وتحديداً اليسارية منها، أن ترفض العلاقات الاجتماعية القائمة حالياً، وتُحاول خلق مجتمع بديل ومواز، وهذا صعب ولكنه ليس مستحيلاً ونجحت فيه الأحزاب العلمانية ولو بشكل محدود، ولكنه أثبت استدامته.

على المجموعات المعارضة التحول إلى بديل حقيقي عبر اختراق السواد الأعظم من السكان، والعمل على إيجاد تنظيمات مستدامة تراكم الإنجازات والخيبات وتتعلم منها في معركة أقل ما يُقال فيها إنها طويلة الأمد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها