الجمعة 2021/10/15

آخر تحديث: 07:31 (بيروت)

لا عدالة في دولة الميليشيات

الجمعة 2021/10/15
لا عدالة في دولة الميليشيات
increase حجم الخط decrease

ليس مشهد يوم أمس طارئاً، بل هو عملياً الوجه الحقيقي للنظام اللبناني القائم على سيادة الميليشيات الطائفية وأحزابها، وعلى رأسها "حزب الله"، أقواها وأكثرها قدرة. كان يوم أمس كشفاً على الحساب لواقع نعرف جميعاً وجوده، إذ لكل منطقة رئيسية ميليشيات مهيمنة فيها تدعي "حمايتها". و"حزب الله" ارتأى اليوم العودة الى الوجه الحقيقي للنظام، ليبلغ المحقق العدلي طارق بيطار بأن المسرحية انتهت، وليس بالإمكان التمثيل بأن هناك قضاء ومؤسسات وعدالة في البلاد. هذا ليس الواقع، وجميعنا نعرف ذلك في هذه الدولة المزرعة.

القضاء غالباً ليس مؤسسة مستقلة بل تنخرها التعيينات الطائفية، وله دور وظيفي محدود في دولة تُهيمن عليها الميليشيات المذهبية. لأي تحقيق لبناني محلي أن يستند لما هو مقبول لدى أقطاب السلطة، إذ أن هؤلاء وأزلامهم فوق القانون، ولا يُمكنه أن يطال أحدهم إلا في حال خرج عن طاعة ولي أمره في السياسة، كما حدث في حالة بعض المستشارين والوزراء والنواب السابقين. 

لهذا كان أداء المحقق العدلي طارق البيطار عملاً ثورياً في لبنان، وتجاوز الحدود المرسومة للقضاء اللبناني، لا بل فاجأ كثيرين، وتكالب عليه سياسيون كثر وأدواتهم بالسياسة والاعلام. لا يحظى البيطار بأي دعم، والحديث عن علاقة بدول غربية هو محض تفاهة وتكتيك سياسي، إذ لا واشنطن ولا حلفاءها الغربيين أظهرت أن التحقيق خط أحمر، وجُل ما بإمكانها فعله هو الإدانة والاستنكار. حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يحظى بدعم أميركي، يتقاطع مع دعم بعض حلفاء "حزب الله" له. وهذا كان واضحاً إبان الحملة عليه.

بكلام آخر، القاضي بيطار يقف وحيداً في المواجهة، ولا أحد يدعمه فعلياً سوى أهالي الضحايا وما تبقى من رأي عام. وبالتالي من المتوقع ألا ينجح في إكمال مهمته، رغم أن الرجل أوضح لنا جميعاً معنى النزاهة المؤسساتية وأهميتها في مواجهة طبقة سياسية فاسدة ومسلحة. من رسائل التحقيق أن في البلد عناصر قادرة على صناعة مؤسسات، لكن الإرادة السياسية غير متوافرة لذلك، بل هي مُسخرة تماماً لمواجهة هذا المشروع. إلى حينها، نحن في بلد ممنوع فيه محاسبة المسؤولين.

وقرار "حزب الله" وحركة "أمل" نقل المعركة مع بيطار الى الشارع، وتحويلها الى صراع طائفي مع "القوات اللبنانية"، هو السلاح السياسي اللبناني الأنجع لتضييع أي قضية. ولا مانع لدى التنظيمين من بذل بعض الدماء ومنها البريئة لأغراض سياسية. وفي حال تحقق الغرض الأساسي من مجزرة أمس والاعتداءات على المدنيين ومنازلهم ومدارسهم، لا مانع من اقفال الملف نهائياً. في المحصلة، سيفوز "حزب الله" وحركة "أمل" بانهاء التحقيق أو تحويره باتجاهات أخرى، في حين أظهرت "القوات اللبنانية" قدرة ميدانية في مواجهة خصم قوي. بإمكان "القوات" استخدام هذه الورقة في حملتها بالانتخابات النيابية المقبلة في مواجهة خصومها المسيحيين، في حين يدعو الثنائي الشيعي أنصاره لتجنب الفتنة كونها "مشروعاً صهيونياً خبيثاً".

هي نهاية سعيدة للجميع سوى الضحايا، أكانت دفعة الأمس أو قتلى وجرحى انفجار المرفأ. حينها، بإمكان الجميع العودة لتمثيلية السلم الأهلي والقضاء والجيش وغيرها من هياكل فارغة لدولة مؤسسات لم تكن يوماً، ولن تكون في ظل سيادة الميليشيات وسلاحها المتفلت.

ومن المفارقة أن أغلب ضحايا الأمس كانوا يتظاهرون لافشال محاولة حماية حقهم كمواطنين في العدالة. وهي عدالة لن يحصلوا عليها عند الميليشيات وحفلات مقايضة الدماء بينها. جُل ما سيحصلون عليه هو ملصق على جدار وكلمة شهيد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها